استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مسار الربيع العربي في اليمن

الجمعة 17 أكتوبر 2014 09:10 ص

في 21 أيلول/سبتمبر فاجأت جماعة «أنصار الله»، المعروفة أيضاً بـ "الحوثيين"، العالم بسيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء في يوم واحد. وعلى الرغم من أنه لم يتم تسليط الضوء على هذا الحدث على المستوى الدولي، إلا أن عملية السيطرة هذه تمثل تطوراً إقليمياً هاماً، ويمكن أن تقدم لليمن فرصة تاريخية.

إن الهوية الزيدية القبلية الشمالية هي عبارة عن مزيج مركب من العوامل الجغرافية (الجبال الشمالية)، والدينية (الزيدية، وهي فرع من الإسلام الشيعي)، والقبلية، بزعامة إمام. ففي خلال جزء كبير من تاريخ اليمن سيطر هؤلاء الأئمة على معظم منطقة شمال اليمن، حتى إن بعض الأقوياء منهم فرضوا سيطرتهم على المناطق الأدنى من شمال البلاد وتلك الواقعة في جنوب اليمن. بيد أن ثورة عام 1962 في شمال اليمن، والتي أنشأت نظاماً جمهورياً، أنهت حكمهم، على الرغم من أن هيمنة النخبة القبلية الزيدية ظلت قائمة.

ومع ذلك، عندما تولى الضابط القبلي من الطائفة الزيدية علي عبد الله صالح السلطة في عام 1978، كان ذلك إيذاناً  ببدء حقبة جديدة من هيمنة النخبة العسكرية القبلية الشمالية. فقد فضل الرئيس صالح القبائل الزيدية المتواجدة حول صنعاء على قبائل أخرى، فتم إقصاء القبائل الشمالية من محافظة صعدة الأكثر ولاء للأئمة الزيديين، عن عملية التنمية والخدمات الاجتماعية وفرص العمل. وعلى الرغم من أن شبه غياب الدولة سمح للأئمة الزيديين بمواصلة قيادتهم الروحية وحتى الزمنية، إلا أن التوغلات الكبيرة للمذاهب السنية المتطرفة في قلب الديانة الزيدية في صعدة دفع بالشباب في المنطقة إلى اللجوء إلى وسائل مقاومة أخرى من أجل إيصال شكواهم.

وقد أتى تأسيس جماعة «أنصار الله» تتويجاً لهذه الجهود. وعلى الرغم من جذورها الأيديولوجية التقليدية، فإن «أنصار الله» جماعة سياسية وعسكرية حديثة، اتخذت «حزب الله» اللبناني نموذجاً لها، بتأكيدها الأهمية على الانضباط والمصداقية والعمل الفعّال على المستوى الشعبي، إضافة إلى توفير الخدمات الأساسية لمجتمعها، وإنفاذ سيادة القانون، وتحقيق العدالة السريعة. وعلى هذا النحو، يناقض نموذج حوكمتها بشكل كبير الحكومة الفاسدة وغير الفعالة في باقي مناطق اليمن.

لقد برزت جماعة «أنصار الله» على الساحة عقب هزيمة القوات الحكومية في سلسلة من الحروب ما بين العامين 2004 و 2009. وعلى الرغم من أنها شاركت في الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس صالح في عام 2011 ، إلا أنها لم تنضم إلى ائتلاف المعارضة أو تشارك في حكومة الوفاق الوطني التي كُلفت بإدارة عملية الانتقال السياسي. لكن في وقت لاحق، وافقت جماعة «أنصار الله» و«الحراك الجنوبي»، وهي حركة تطالب باستعادة الدولة الجنوبية اليمنية، على المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور. وقد رُفضت هذه الخطوات الإيجابية على مدى العامين الماضيين لأن التحالف العسكري القبلي السياسي السني بقيادة «حزب الإصلاح السني» واللواء  علي محسن، الذي قاد الحروب ضد مدينة صعدة، منع «أنصار الله» من الانضمام إلى الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، اتُهم التحالف باستبدال المسؤولين الحكوميين السابقين من حزب «المؤتمر الشعبي العام» بأعضاء من حزب «التجمع اليمني للإصلاح».

لقد جمع هذا الاستبعاد المنهجي ما بين النخبة القبلية الزيدية الشمالية من حزب «المؤتمر الشعبي العام» و«أنصار الله». ففي سياق "الربيع العربي" الذي أنهى احتكار النخبة القبلية الزيدية للسلطة ودعا إلى عهد فيه نظام سياسي يشمل كافة شرائح المجتمع بشكل أوسع، كان السخط من «التجمع اليمني للإصلاح» وحلفائه مستشرياً في صفوف شيوخ القبائل في أنحاء صنعاء. وقد استغلت جماعة «أنصار الله» هذا الشعور بالسخط وهاجمت معاقل المتطرفين السنة في صعدة والمحافظات المجاورة لها. وبعد محاولة أولى فاشلة لوقف هذا التقدم، قرر حزب «التجمع اليمني للإصلاح»عدم الاقتتال مع «أنصار الله».

أما على المستوى العسكري، فقد قامت الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو لواء سني جنوبي شغل منصب نائب الرئيس صالح حتى عام 2012، بإعطاء الأولوية لإعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية. وعلى مدى العامين التاليين، جرى استبدال العشرات من القادة الأمنيين والعسكريين بآخرين جدد موالين للرئيس هادي. بيد أن الفساد والمحسوبية القبلية وغياب الانضباط العسكري جميعها عوامل أدت إلى الإبقاء على التقسيم وعدم فعالية القطاعين الأمني والعسكري، إذ إن العديد من الضباط من المستوى المتوسط​​، وحتى بعض كبار القادة، لا يزالون موالين لصالح أو لمنافسه اللواء علي محسن.

وقد برز هذا الموقف بوضوح عندما أقدم أحد الموالين للواء محسن وهو قائد وحدة رئيسية في محافظة عمران التي تبعد 30 ميلاً شمالاً عن صنعاء، على عصيان أوامر القائد العام للقوات المسلحة بتسليم قيادته لضابط آخر. وهذا الأمر أعطى لـ «أنصار الله» الفرصة للتقدم نحو عَمران وقتل القائد والاستيلاء على المدينة في 9 تموز/يوليو. وقد أظهر هذا الانتصار السريع للرئيس عبد ربه هادي أن حكومته، المشلولة بسبب السياسات الحزبية الثانوية والتي ضعُفت بسبب الانقسام والفساد، كانت عاجزة عن وقف تقدم «أنصار الله» نحو صنعاء. وكل ما كان مطلوباً في هذا السياق هو الحصول على ذريعة.

وفي 30 تموز/ يوليو، سنحت هذه الفرصة أمام الجماعة، إذ أثار قرار الحكومة بإيقاف دعم الوقود موجة من الغضب الشعبي. كما أن تحالف جماعة «أنصار الله» مع الرئيس المخلوع صالح سمح لها بحشد الموالين لصالح (من حزب «المؤتمر الشعبي العام»، والجيش، والقبائل) وغيرهم من رجال القبائل الغاضبين والمدججين بالسلاح للمشاركة في الاعتصامات في مواقع استراتيجية بالقرب من المنشآت العسكرية الرئيسية في شمال وجنوب وغرب صنعاء. وقد عززت هذه الاعتصامات المواجهة مع الوحدات العسكرية في المنطقة، وبحلول منتصف أيلول/سبتمبر تحول الوضع إلى حرب شاملة مع موالي اللواء محسن في شمال صنعاء. وفي غضون يومين، سيطرت جماعة «أنصار الله» على المدينة، ونهبت أسلحة الوحدات العسكرية التي تنتمي إلى اللواء محسن. وفي اليوم الثاني، تم إنهاء القتال رسمياً من خلال التوقيع على "اتفاق السلام والشراكة"، الأمر الذي مهد الطريق لقيام حقبة جديدة من سيطرة النخبة القبلية الزيدية الشمالية، ولكن هذه المرة بنفحة طائفية قوية وروابط تجمعها بإيران.

وكونه الحزب الإسلامي الرئيسي في اليمن خلال العقدين الماضيين، لحق الأذى بحزب «الإصلاح» جراء هذه التطورات الأخيرة. إلا أن إعادة ترسيخ وضعه في المحافظات السنية، من بينها محافظتي إب وتعز، يبرز أن حزب «الإصلاح» تعرض لـكدمات وليس لإصابات خطيرة في هيكله. أما الخاسر الأكبر فهو حزب «المؤتمر الشعبي العام» الذي كان الحاكم سابقاً. وفي إطار تشجيع صالح لدعم «أنصار الله»، ليس لدى أعضاء «المؤتمر الشعبي العام» أي حافز في الوقت الحالي للتخلي عن هذه القوة السياسية التي تم الحصول عليها حديثاً. لذا من المرجح أن يظهر «المؤتمر الشعبي العام» أضعف من حزب «الإصلاح».

وللمرة الأولى في التاريخ الحديث، تهيمن على اليمن جماعتان طائفيتان: «أنصار الله» وحزب «الإصلاح». وإذا أسيئت إدارتها، قد يؤدي ذلك إلى عملية استقطاب خطرة ستدفع باليمن وبسرعة نحو نموذج الفتنة الطائفية في سوريا.

ومع ذلك، فإن تفوق قوة خارجة [عن النطاق السياسي المعتاد] مثل «أنصار الله» يشكل أيضاً فرصة لتحفيز الإصلاحات في البلاد. وعلى عكس النخبة السياسية التقليدية القائمة في صنعاء، والتي أحبط فسادها عمليات الإصلاح وشل الدولة، فإن جماعة «أنصار الله» لا تزال لاعبا سياسي جديد "لم يُصب بأذى بعد". كما أن التزامها بالحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد فضلاً عن وجود رئيس وزراء قوي ومدعوم بشكل كامل من الرئيس، تُعد عوامل يمكن أن تساعد اليمن على تنفيذ الإصلاحات الحقيقية والضرورية التي يمكن أن تعيد البلاد إلى المسار الصحيح لتحقيق النمو الاقتصادي. وبالتالي، فإنها فرصة لا ينبغي تفويتها.

 

* عبد الغني الارياني هو مستشار سياسي وخبير تنمية، ومحلل وناشط  سياسي. ويشغل حالياً منصب رئيس "توق" - منظمة غير حكومية للدفاع عن الديمقراطية -  ونائب رئيس مركز "خبراء" للتنمية والخدمات الاستشارية في صنعاء. والارياني هو عضو في اللجنة الاستشارية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش". وقد نُشر هذا المقال في الأصل في منتدى فكرة.

المصدر | معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي ثورة اليمن الحوثيون

الحوثيون: من المنفى إلى صناعة الملوك

"المتمردون الشيعة" قادة اليمن الجدد

هكذا سقطت صنعاء في يد الثورة المضادة وإيران

اليمن إذ يسقط بيد الثورة المضادة والغطرسة الإيرانية

اتفاقية «سايكس - بيكو» رسمت حدودا على الرمال يمحوها الدم الآن