قال الكاتب التركي «إسماعيل ياشا» إن الشعب التركي انتصر في المعركة التي أشعلها ضباط موالون للكيان الموازي، لإسقاط الحكومة المنتخبة، مضيفا أن المواطنين الأتراك نزلوا رجالا ونساء وأطفالا وشبابا وشيوخا إلى الشوارع والساحات، ليواجهوا دبابات الانقلابيين بصدورهم العارية، دفاعا عن وطنهم ومستقبل أولادهم.
وأوضح «ياشا» أن هذا الانتصار الكبير الذي أبهر أحرار العالم سطره مواطنون بسطاء من عامة الناس، ليسوا خبراء في السياسة ولا هم من طبقة النخبة، ولكنهم يتمتعون بوعي ديمقراطي عال ومشاعر وطنية تجعلهم يتصدون للانقلابيين ويواجهون الرصاص بشجاعة ودون أي تردد.
ولفت إلى أنه في الوقت الذي اختفى فيه كثير من نجوم الشاشات والمنابر وتجنبوا مواجهة الانقلابيين خوفا على حياتهم ومصالحهم، كان هؤلاء المواطنون في طليعة المشاركين في التصدي لمحاولة الانقلاب يضحون بأرواحهم في سبيل الدفاع عن الديمقراطية والإرادة الشعبية.
وقال: «كان بعض من ينسبون أنفسهم إلى الفن والثقافة يتعالون على المواطنين البسطاء ويتهمونهم بأنهم لا يفقهون حقيقة الديمقراطية، بل يبيعون أصواتهم في مقابل مبالغ ضئيلة أو قليل من أكياس الفحم، وكانت عارضة أزياء لا تملك غير الجمال الذي منحه الله إياها قالت ذات مرة معترضة على نتائج الانتخابات التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية: لماذا يستوي صوتي وصوت الشخص الذي يرعى الغنم في الجبال؟».
وأضاف: «الضابط التركي عمر حالسدمير الذي أطلق أول رصاصة في التصدي لمحاولة الانقلاب ليقتل جنرالا انقلابيا، كان يرعى الغنم في صغره، كما أخبر والده وأصدقاؤه، وكان ينوي العودة إلى قريته بعد التقاعد ليعمل في حديقة صغيرة اشتراها، إلا أنه استشهد في سبيل الدفاع عن الإرادة الشعبية، وأما الذين يرون أن راعي الغنم يجب أن لا يصوت في الانتخابات فلم ينبسوا ببنت شفة لحماية الديمقراطية من اغتصاب الانقلابيين، وخرج بعضهم يستنكرون محاولة الانقلاب بعد أن تأكدوا من فشلها».
وتابع: «هناك أشخاص يعتبرون أنفسهم نخبة ومثقفين، ويرفضون مطالبة شعوبهم بالديمقراطية والمشاركة في صنع القرار بحجة أن شعوبهم غير مستعدة لتطبيق الديمقراطية، ولكننا وفي أول اختبار للديمقراطية نجد شعوبهم أكثر نضجا ووعيا وتمسكا بالديمقراطية».
واستطرد: «وفي تلك الليلة التاريخية التي نزل فيها الشعب التركي إلى الشوارع والساحات لإفشال محاولة الانقلاب العسكري، لم نجد في مواجهة الانقلابيين أحدا من هؤلاء الذين يتعالون على عامة الناس، ويرون أنفسهم هم الذين يفقهون الديمقراطية دون غيرهم، بل بعضهم كانوا يتمنون نجاح المحاولة وإسقاط الحكومة المنتخبة، ولكن المواطنين من الفلاحين والعمال وأصحاب المحلات الصغيرة بالإضافة إلى الأمهات وربات البيت أنقذوا النظام الديمقراطي».
وبين «ياشا» أن معظم هؤلاء المواطنين الذين خرجوا في تلك الليلة للدفاع عن الإرادة الشعبية علاقتهم بالسياسة تقتصر على الذهاب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، ولكنهم يدركون جيدا مدى قيمة تلك الأصوات التي تمثل إرادتهم الحرة، موضحا أنهم حين شعروا بخطر على الإرادة الشعبية، نزلوا فورا إلى الشوارع والساحات لحمايتها، وسيعودون إلى أعمالهم اليومية دون أن ينتظروا من أحد جزاء ولا شكورا.
وذكر أن هؤلاء أثبتوا أن وعيهم الديمقراطي أعلى بكثير من وعي كثير من المتشدقين بالديمقراطية، ويستحقون كل التقدير والتحية والإجلال، ويحق لهم أن يقولوا بعد ملحمة إفشال الانقلاب العسكري: «لماذا تستوي أصواتنا وأصوات الذين لم يحركوا ساكنا للدفاع عن الديمقراطية؟».
يذكر أن تركيا، شهدت في وقت متأخر، من مساء 15 يوليو/تموز الجاري، محاولة انقلابية فاشلة، قوبلت باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات، ومقاومة من قبل أجهزة الأمن والشرطة وقطاعات في الجيش ما أفشل العملية.