هل ستضطر واشنطن إلى ضرب نظام «الأسد» في نهاية المطاف؟

السبت 29 أكتوبر 2016 08:10 ص

من خلال رفضه للتدخل الحاسم في سوريا، قال الرئيس «باراك أوباما» أنه قد كسر أخيرا «قواعد اللعبة التي كانت تمارسها واشنطن» قبل فترة ولايته وهي أن مؤسسة السياسة الخارجية كانت مؤمنة بفعالية القوة العسكرية. ويعد رفض اتباع قواعد اللعبة التي كانت تمارسها واشنطن مصدر فخر للرئيسن ومصدرا للغضب المستمر من النقاد من مختلف الأطياف السياسية في آن واحد.

ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الوراء في التسعينيات يبدو «أوباما» في الواقع قد تابع عن كثب إلى حد ما قواعد اللعبة التي مارستها البلاد، والتي أدت في نهاية المطاف بواشنطن للتدخل في الحرب الأهلية في يوغوسلافيا. هذه ليست قواعد اللعبة التي تمارسها الولايات المتحدة أمام حالة تتطلب التدخل العسكري المباشر، وقد أنفقت واشنطن عدة سنوات في محاولة يائسة لتجنبها، في حين ظلت تستثمر ما يكفي دبلوماسيا وخطابيا لتجنب استخدام القوة التي لا مفر منها في نهاية المطاف.

تجربة يوغوسلافيا

في البلقان، استغرق الأمر أربع سنوات من الوقت الذي بدأ الصرب والكروات فيه القتال عام 1991 إلى بداية الحملة الجوية للناتو التي وضعت نهاية غير مستقرة للقتال. خلال هذه الفترة، سعت إدارتين رئاسيتين للحفاظ على أمريكا خارج الصراع، حيث رأوا التأييد الشعبي القليل أو عدو وجود منطق استراتيجي للتورط. في مناخ سياسي تم تهيئته بشكل مختلف، أصر كثير من الناخبين على انعزالية الولايات المتحدة وأنها لا يجب أن تكون شرطي العالم، في حين أن الواقعيين مثل وزير الخارجية «جيمس بيكر» كانوا متحمسين للصراع. وهكذا عندما اندلعت الحرب الأهلية اليوغوسلافية، كانت إدارة «بوش» تركز على روسيا، في حين أن المعنيين بالسياسة الداخلية شعروا بالقلق حول كيفية رد الجمهور على مثل هذه التقلبات الطفيفة مثل القبض على طيار أمريكي.

كما هو الحال في سوريا اليوم، لم تكن أي من الجانبين في الحرب الأهلية في يوغوسلافيا يلقى تعاطف المراقبين الأمريكيين. في وقت لاحق، فإن وحشية «سلوفودان ميلوسيفيتش» أعادت تعريف للصراع. في الواقع، في حين أن المحاكمات اللاحقة لمجرمي الحرب الصرب قد هيمنت على عناوين الصحف، فقد أدين عدد من قادة الكروات بارتكاب أعمال الإبادة الجماعية أيضا.

استخدم صناع القرار في حالة كل من يوغوسلافيا وسوريا التاريخ لتبرير عدم التدخل، واصفين صراعات قديمة تشير إلى أن هناك القليل مما يمكن لأمريكا القيام به لحلها. كانت حجة الرئيس «بيل كلينتون» أن الحرب في يوغوسلافيا كانت تقودها «المشاعر القديمة والأحقاد المستعصية»، مثلما قال «أوباما» أيضا إن «الخلافات الطائفية القديمة تمزق الشرق الأوسط».

على الرغم من كل هذا، ثبت ببساطة أنه من المستحيل تجاهل النزاع في يوغوسلافيا. رغم التداعيات الأخلاقية، لم يدفع «كلينتون» ثمنا سياسيا لتجاهل الإبادة الجماعية في رواندا عندما وقعت. وقد ألمح «أوباما» نفسه أنه عندما وقعت سلسلة من الحروب الأهلية في الكونغو على مدى العقدين الماضيين، قامت واشنطن تجاهلها بنجاح كبير ولم يكن هناك بالكاد أي مناقشة حقيقة حول تجاهلها. لكن يوغوسلافيا، مثل سوريا، تحولت أزمتها الإنسانية إلى قصة إخبارية كبيرة، بينما هدد كلا الصراعين بزعزعة استقرار مناطق أكبر أهمية.

ومع عدم وجود أي رغبة في التدخل، واجه كل من «بوش» و«كلينتون» ضغوطا للقيام بشيء ما خاصة مع ظهور معسكرات الاعتقال والتطهير العرقي المنظم. وكانت النتيجة سلسلة من التدابير غير المكتملة وغير الفعالة التي تهدف إلى التعامل مع الأزمة، أو على الأقل التخفيف من آثارها، بأقل تكلفة ممكنة. وكما هو موثق من قبل «سامانثا باور»، الناشطة الأكاديمية والتي أصبحت منذ ذلك الحين سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سعت الإدارة في البداية للتقليل من شأن الأدلة في هذه الفظائع. وعندما ثبت أن هذا من المستحيل، ظهرت تهديدات فارغة. في الأسابيع الأخيرة من رئاسته، وجه «بوش» تحذير عيد الميلاد إلى «ميلوسيفيتش»، وهدد بتدخل من جانب واحد ضد الجرائم الواقعة في كوسوفو دون معالجة الشواغل الأكثر إلحاحا في أي مكان آخر.

بعد هزيمة بوش في عام 1992، وجد «بيل كلينتون» نفسه يعمل انطلاقا من نفس قواعد اللعبة التي مارستها سياسة خصمه الخارجية سابقا. تركيز «كلينتون» على القضايا المحلية وافتقاره إلى الخبرة السياسية الخارجية دفعاه لمقاومة التدخل. ونتيجة لذلك، واصلت واشنطن دعم الخطوات التي أثارت النزاعات وأضرت سمعة أمريكا دون إيجاد حل في الواقع.

في البداية، فرض المجتمع الدولي حظر سلاح على جانبي الصراع، ولكن سرعان ما أصبح واضحا أن هذا الحظر استفادت منه القوات الصربية على حساب منافسيها من الكروات والبوسنيين. هذه السياسة، خلق وضعا كانت فيه واشنطن مستعدة لغض الطرف عن حلفائها وتوفير الأسلحة سرا إلى أولئك الذين يقاتلون الصرب. كما أيدت واشنطن برنامجا لتدريب القوات الكرواتية في جهد بطيء ولكنه نجح في نهاية المطاف في زيادة الضغط العسكري ضد «ميلوسيفيتش». حاولت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضا التفاوض على سلسلة من خطط السلام في عام 1992، 1993، و 1994، وكذلك اتفاقات وقف إطلاق النار قصيرة الأجل على حد سواء. في عام 1992، تم إدخال قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة، والمستمدة من الدول الأوروبية وأسندت إليها مهمة تأمين مناطق آمنة معينة. كما هو الحال في سوريا، غالبا ما تنشئ عدم رغبة أمريكا فيى التصرف توترا مع حلفائها في المنطقة. كان البعض في واشنطن يأملون أن الأوروبيين سيكثفون من جهودهم لحل الأزمة من تلقاء نفسهم، في حين رأى القادة الأوروبيون الحريصون على اتخاذ إجراءات أن عدم وجود دعم من واشنطن يقوض إجراءاتهم.

بينما كانت واشنطن وأوروبا والأمم المتحدة يبحثون عن حل منخفض التكلفة، بذل «ميلوسوفيتش»، في المقابل، جهدا منسقا للتأكد من ضعف مداخلاتهم المحدودة. تم انتهاك وقف إطلاق النار مرارا وتكرارا، وجرى الهجوم على مناطق آمنة، ومهاجمة القوات التابعة للأمم المتحدة. فهم «ميلوسيفيتش» عدم استعداد المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات أكثر حسما. حتى عام 1994، عندما بدأ حلف شمال الأطلسي غارات جوية محدودة، استخدم «ميلوسيفيتش» القوات التابعة للأمم المتحدة بالفعل على أرض الواقع كرهائن ودروع بشرية للحد من نطاق وفعالية هذه البعثات. ومع استمرار قصف مدينة سراييفو ومهاجمة مدينة غورازده، واصلت القوات الصربية اختبار حدود حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة.

في النهاية، كان هذا هو التحدي، بقدر ما كانت هناك رهانات استراتيجية وإنسانية أكثر إلحاحا. مما دفع «كلينتون» لتوجيه قوات الولايات المتحدة للتدخل بشكل حاسم. في عام 1995، استولت القوات الصربية على مدينة بريشتينا، واستولت على مقرات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المخصصة لحمايتها و تم قتل أكثر من 7000 من سكان المدينة الذكور. لقد كانت مأساة، ولكن بالنسبة للولايات المتحدة وإدارة الرئيس «بيل كلينتون»، فقد كانت إهانة أيضا. وعلى الصعيد الداخلي، فقد كشفت أن رئيس الولايات المتحدة إما سلبي أو عاجز سياسيا. وقال «ديفيد هالبرستام»، لقد كانت نقطة تحول في طريق الولايات المتحدة حيث «غضب كلينتون من وصف الولايات المتحدة بالعجز وأعلن على شاشات التلفاز ما يحدث في البوسنة يسبب ضررا بالغا للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم». وخلص «كلينتون» أن الصرب منذ سنوات كانوا يريدون «قتل موقف الولايات المتحدة القوي في العالم من خلال جعلها تبدو ضعيفةفي البوسنة».

وكانت نتيجة حملة القصف المكثفة التي قام بها حلف شمال الأطلسي بين شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول من عام 1995 هي فتح الطريق لاتفاق دايتون والسلام الهش الذي تلاه. ومع ذلك لم يكن دايتون سوى الخطوة الأولى في الملحمة الأطول التي استمرت على مدى عشر سنوات. بعد أن نجا في أول مواجهة له مع أمريكا، راهن «ميلوسيفيتش» في وقت لاحق على قدرته على النجاح في تنفيذ حملة التطهير العرقي في كوسوفو ردا على التمرد في عام 1998. وهذه المرة، كانت الاستجابة أسرع وأكثر حزما، فالطائرات الأمريكية لم تضرب فقط القوات الصربية في كوسوفو، ولكن ضربت حكومة في بلغراد أيضا. ولم يكن هذا هو السبب المباشر لسقوط «ميلوسيفيتش» من السلطة، لكنه لعبت دورا في الانتفاضة التي انتهت بمحاكمته في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

الشعور بالهوان

في واشنطن اليوم، هناك نفس الشعور بالهوان الذي دفع نحو تدخل 1995 ضد «ميلوسيفيتش». بداية من تحدي الخطوط الحمراء واتفاقات وقف إطلاق النار و شن هجمات لا هوادة فيها ضد المدنيين. السؤال هو ما إذا كان العديد من الاختلافات بين يوغوسلافيا في التسعينيات، وسوريا اليوم سوف يؤدي إلى نتائج مختلفة. وعلى الأخص، فإن مشاركة روسيا المباشرة في سوريا قد زادت بشكل كبير من مخاطر التدخل، مما يؤدي إلى زيادة الخوف من التصعيد. وبالمثل، فإن التهديد الواضح الذي يشكله تنظيم الدولة دفع البعض إلى استنتاج أن لدينا مصلحة في إسقاط «الأسد»، في حين مال الآخرون لرؤية استمرار حكمه حصنا ضد الإرهاب. وأخيرا، فقد استمرت الحرب الأهلية في سوريا الآن لفترة أطول من ما حدث في يوغوسلافيا، وخلفت ضحايا أكثر بكثير. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، نظرا لحقيقة أن القتل الجماعي لم يتخذ شكل الإبادة الجماعية فهو أقل جذبا للخيال الأخلاقي الأميركي.

وسط كل هذه العوامل، فإنه يبقى أن نرى ما إذا كانت حلب ستكون بريشتينا سوريا. ولكن إذا كان الرئيس المقبل، خلص إلى تصور أن الضعف الأمريكي قد وصل إلى مستوى غير مقبول، وقرر ضرب «الأسد»، فإن التاريخ حتما سوف يعيد نفسه.

  كلمات مفتاحية

واشنطن سوريا أوباما يوغوسلافيا بشار الأسد ضربة جوية

«الأسد»: سأبقى في السلطة حتى 2021 على الأقل