سياسة القبضة الحديدية والاقصاء والتهميش ليست حلا لاحتقان يتضخم في مصر

السبت 29 نوفمبر 2014 09:11 ص

الامر المؤكد ان المشاركة في الاحتجاجات التي دعا اليها التيار السلفي المعارض للحكومة، ودعمتها حركة الاخوان المسلمين المحظورة، لم تكن على المستوى المأمول من حيث العدد، مثلما أشار مراسلو وكالات الانباء الغربية في القاهرة، لكن هذا لا يعني مطلقا بأن الشارع المصري في معظمه لا يتعاطف مع هذه الدعوة والأسباب التي تستند إليها، أو ليس له تحفظات على اداء الحكومة والعملية السياسية الحالية المتبعة في مصر.

السلطات الحاكمة في مصر استخدمت سياسة القبضة الحديدية في مواجهة معارضيها وزجت بعشرات الآلاف منهم في السجون، الامر الذي دفع بالملايين من المصريين الى الاعتكاف في بيوتهم وتجنب المشاركة خوفا من اتهامهم بالارهاب والجنوح الى العنف.

لا شك ان هناك مجموعات اسلامية متشددة في مصر تتبنى العنف بأشكاله المتعددة كوسيلة للتغيير، وابرزها تنظيم انصار بيت المقدس الذي اعلن مسؤوليته عن العديد من التفجيرات في العمق المصري، وخاصة في العاصمة القاهرة، وفي سيناء حيث يخوض حربا دموية ضد الجيش وقوات الامن، واعلن مبايعته لـ”الدولة الاسلامية” وتحويل سيناء الى احد ولاياتها استجابة لدعوة زعيمها ابو بكر البغدادي في بيانه الاخير.

انخفاض معدلات المشاركة سيثير ارتياح اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية وقياداته العليا، ولكن الحذر مطلوب، فحالة الاحتقان التي تعيشها البلاد، في اوساط التيارات السلفية والاخوانية وبعض الليبرالية، ما زالت تتضخم نظرا لانسداد العملية السياسية في البلاد وممارسة سياسات الاقصاء والتهميش والقبضة الحديدية.

الشعب المصري شعب صبور له الكثير من صفات الجمل، ولكن صبره سينفذ في نهاية المطاف، اذا وجد نفسه يواجه الصعوبات الاقتصادية والمعيشية والامنية نفسها، فمن كان يتصور ان هذا الشعب الذي صبر اكثر من ثلاثين عاما على الرئيس المصري محمد حسني مبارك ونظامه الفاسد سيثور ثورة عارمة، ويقلب كل معادلات القوة، ويجتث “مافيا” الفساد دون رحمة؟

فعندما يعترف مفكر مصري كبير في وزن الدكتور حسن حنفي المعروف بليبراليته ان الامور لا تسير على ما يرام في بلاده في مقال نشره في صحيفة “المصري اليوم” يوم الاربعاء ويطالب بالمصالحة الوطنية، وعودة مصر الى خندقها الطبيعي في مواجهة اسرائيل وامريكا، وتقبل الرأي الآخر واحترامه، والكف عن سياسات التخوين والتكفير، فإن هذا يحتم على النظام الحاكم اعادة النظر عن سياساته الاقصائية هذه، والعودة الى لغة الحوار وسياسة العفو والتسامح.

نعيد ونكرر في هذا المكان بأن الحل الامني الذي تتبعه السلطات المصرية ليس حلا، ولن يقود البلاد الا الى المزيد من عدم الاستقرار وتصاعد اعمال العنف والارهاب، وهي اعمال اكتوت بها البلاد في تفجيرات جامعة القاهرة وسيناء والصحراء الغربية.

عدم نزول الملايين الى الشوارع لا يجب ان يفسر على ان الشعب المصري يلتف بأغلبيته خلف الحكومة وسياساتها، وهزيمة للمعارضة، وان يصب في مصلحة الاستخدام المفرط للقوة لاسكات الاصوات التي تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، فهذا الاستنتاج مضلل ويعطي صورة مخادعة.

ندرك جيدا ان معظم وسائل الاعلام المؤيدة للنظام في مصر ستتوصل الى هذه النتيجة، وترفع شارة النصر ابتهاجا، ولكن هذا التوجه المغرق في تفاؤل مبكر ومخادع قد يعطي نتائج عكسية تماما، ويصب في مصلحة الجماعات المتطرفة.

مصر لا تحتاج الى "غطرسة القوة" وإنما الى “حكمة التسامح” ودور العقلاء في بناء جسور الحوار مع كل مكوناتها في اطار من المرونة والرغبة في التعايش من طرف الجميع دون استثناء، اما غير ذلك فإن صورة المستقبل لن تكون وردية على الاطلاق.

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

الجبهة السلفية الإخوان غطرسة القوة القبضة الأمنية محمد إبراهيم انسداد سياسي

«رويترز»: «الأخوات المسلمات» في طليعة المشهد المصري