انهيار أسعار النفط .. من الفائز الحقيقي؟

الأربعاء 3 ديسمبر 2014 08:12 ص

أود هنا معالجة الانهيار الجزافي في سوق النفط الأسبوع الماضي. لقد كانت الآمال معلقةً على السعوديين لتقليص الإنتاج لتستقر الأسعار حول معدل 80 دولارًا للبرميل. ولكن ذلك لم يحدث وأصرت المملكة العربية السعودية على موقفها رافضة خفض الإنتاج، ما أدى إلى مزيد من التراجع الذي تخطى 10٪ خلال يوم الجمعة فقط حيث تم تداوله بالفعل عند متوسط 65 دولار للبرميل.

أولاً وقبل كل شيء؛ فإن النفط هو أكبر وأكثر السلع استخداما وتداولاً على هذا الكوكب. وسيكونُ لهذا التقلب المستمر في سوق النفط والتراجع العشوائي في الأسعار آثار وعواقب غير متوقعة بأي حالٍ من الأحوال.

أول سؤال ينبغي عليّ طرحه هنا هو: لماذا النفط ضعيف لهذا الدرجة في المقام الأول؟

هناك عدة إجابات على هذا، ونستطيع أن نقول إن هناك دافعان رئيسيان وراء ذلك ... ”العرض والطلب“. وقد انخفض الطلب بالتأكيد في وقت يشهد تباطؤ الاقتصاد العالمي. وهذا شيء لا يمكن الالتفاف حوله، فكميات النفط المستهلكة حاليًا أقل من تلك التي كانت قبل سنتين أو ثلاث. أما فيما يتعلق بالعرض؛ فإن صناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة التي دخلت في أوج طفرتها جعلت من واشنطن أكثر إنتاجا من المملكة العربية السعودية.

وأستطيع أن أتذكر قبل سنتين أو ثلاث عندما بدأنا نسمع القصة التي تقول: «الولايات المتحدة على وشك أن تحقق استقلالها في الطاقة». لكن ما أغفلته تلك القصص هو تضمين حقيقة أن الصخر الزيتي عالي التكلفة عند النظر إلى تحقق مساواة التكاليف مع الإيرادات، أو ما يُعرف في لغة النفط باسم «التعادل». وتظهر التقديرات الحالية لنقطة التعادل عند 75 دولارا للبرميل وربما أعلى. تمامًا كما كتبت في وقت سابق عن الذهب والفضة؛ أعتقد أن «انخفاض الأسعار سوف يعالج انخفاض الأسعار» بالنسبة للنفط. وسوف أسوق ما يعضد هذا الفكرة قريبًا.

عند النظر إلى الانخفاضات الجديدة في أسعار النفط لا بد من طرح الأسئلة «من وماذا ولماذا؟». لماذا لا ترغب المملكة العربية السعودية في خفض الانتاج لتحقيق الاستقرار في أسعار منتجاتها؟ إذا كانت السعودية قد وضعت ميزانيتها عند سعر 95 دولارا لبرميلها النفطي، فلماذا يسمحون بتراجع السعر بهذه الصورة بلا هوادة (وحالة الجمعة الماضية تظهر ذلك بوضوح)؟ ما المفيد لهم في ذلك؟

قبل التنقيب عن الإجابة أود أن أذكر لكم كيف أسقطت الولايات المتحدة الاتحاد السوفيتي في أواخر حقبة الثمانينيات. لقد أرهقت الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي في سباق تسلح، ثم وبمساعدة السعوديين تراجع سعر برميل النفط إلى عشر دولارات للبرميل الواحد... ثم أفلس الاتحاد السوفيتي نتيجة حالة المجاعة التي وصلت لها عائدات النفط.

نعود سريعًا إلى الأمام وتحديدًا إلى يومنا هذا؛ فهل نشهد نفس النوع من تلك العملية؟ يقول البعض إن الهدف هو إيران؛ لأنها العدو الديني للمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى كونها تمتلك أعلى تكلفة إنتاجية في منطقة الشرق الأوسط، وأنا لست من مؤيدي تلك النظرية. بل إنني أفضل أن ننظر إلى أحدث الصفقات التجارية في المملكة العربية السعودية ونبدأ رحلتنا منها. فمنذ بضعة أشهر فقط لم توقّع المملكة عقود طاقة طويلة الأمد إلا مع الصين.

لنتحرك خطوة إلى الأمام لنعرف ”مَن“ المستفيد الأكبر من وراء هذا الانهيار في الأسعار؟

الإجابة بالطبع هي الصين؛ حيث إن بيكين هي أكبر مستورد للنفط في العالم!

هل يمكنك أن ترى مدى تحقق ذلك، وما الممارسات القائمة؟ يعتقد معظم الغرب أن المملكة العربية السعودية كانت تعمل مع الولايات المتحدة للإضرار بعائدات الطاقة في روسيا، ماذا إذا لم يكن ذلك بالفعل؟ ... أو ربما يعتقد قادتنا أن تلك كانت هي القضية؟ ماذا لو كانت المملكة العربية السعودية- التي دخلت في محادثات جادة مع الصين - قد انحازت لبيكين في وقت تسعى فيه الدولتان للتخلص من منافسين حاليين لهما؟

من هو المنافس الجديد الذي نتحدث عنه؟

لماذا كان من المفترض أن تجعلنا صناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة مستقلين في مجال الطاقة، وتصل بنا إلى مرتبة إنتاج تفوق مرتبة المملكة العربية السعودية؟ وتُقدر تكلفة إنتاج الصخر الزيتي بــ 75 دولارا للبرميل. وقد تمّ اقتراض (وإقراض) 100 مليار دولار من أجل الوصول إلى هذا المستوى من الإنتاج ومواصلة العمل. واعتبارًا من يوم الجمعة الماضي فقد ظهرت مشكلة لم تكن متوقعة في السابق. عليك أن تعي أن هذ الدين الصادر محفوف بالمخاطر نظرًا لارتفاع عائده ويشكّل تقريبًا 20% من هذه السوق بكاملها. كما يُرجى الأخذ في الاعتبار أن العديد من هذه السندات يتم استخدمها كضمانة إضافية ثم إعادة لرهن مزيد من الاقتراض. هذه ليست الكارثة بعد، لكن ”طلب التغطية“ لمثل هذه الصناعة السائدة من الممكن أن يطفيء الأنوار سريعًا.

وبالطبع يمكنك إضافة بقية النظام المالي لذلك حيث إن التأثير لم يكن مُرتفعًا بشكل منتظم مثلما هو عليه في الوقت الراهن.

كما أود أن أضيف تعليقًا: «هناك شخص ما، في مكان ما، تعرض لضرر بالغ للغاية يوم الجمعة الماضي». أنا أتحدث عن المضاربين، ومشتقات السوق الموازية بين البنوك والمؤسسات المالية، والمؤسسات التي تصدر مقايضات الائتمان الاقتراضي وما إلى ذلك ... . نحن لا نعرف من وماذا وإلى أي مدى أو حتى “لو” تسبب هذا الانخفاض - بنسبة 10٪ خلال يوم واحد - في سلسلة من ردود الفعل، لكن الاحتمالات عالية جدًا بألا يمر ذلك من دون قتل شخص مُهم ماديًا.

لا بد من الإشارة إلى روسيا قبل وضع كل هذا معًا. نعم يجري الإضرار بروسيا ماليا واقتصاديا. فلقد أصاب الروبل – العملة الروسية – هزة عنيفة في سوق السندات السيادية ولكن ... من المهم أن نفهم أنها تتحمل ديونًا قيمتها 200 مليار دولار. لكن هل هذا الانخفاض في أسعار النفط سيصيب روسيا بالإفلاس؟ بالطبع لا؛ لكنه سوف يجعل الحياة صعبة للغاية مع تباطؤ الاقتصاد، ولن تحصل برامجها الاجتماعية على تمويلها الكامل. في رأيي هذه مجرد ضربة كبيرة لروسيا ولكنها ليست قاتلة.

وضع كل هذا معًا يتطلب بعض الأسئلة التي بحاجة إلى إجابات مؤكدة ربما لا تجد جوابًا حتى اللحظة.

مَن يقف وراء ذلك بالفعل؟

هل ستخفض الولايات المتحدة الأمريكية من صناعة الصخر الزيتي لديها لإرضاء السعوديين أم أن الصينيين أكثر قدرة على استمالة المملكة العربية السعودية إلى مساعدتهم في ملء الاحتياطيات التي تحتاج بيكين؟

إذا كانت الغلبة للصين، فما معنى ذلك بالنسبة للمملكة العربية السعودية؟

هل هم في عملية تحول في الولاء؟ هل هذه هي الحالة التي ستجعلهم يعلنون قريبًا تخليهم عن البترودولار؟ من الواضح أنه ليس لدي جواب ولكني سأطرح سؤالاً أو ربما سؤالين آخرين: هل من الممكن أن الصين نجحت في استمالة المملكة العربية السعودية من خلال وعد بدفع لهم شيء حقيقي مثل الذهب؟ هل الممكن أن يكون ذلك هو ما حدث بالفعل؟ يُشاع بالفعل أن روسيا تتداول النفط مقابل الذهب، فهل ربما يكون السعوديون قد عرفوا ذلك ورأوا أن الذهب أكثر بريقًا؟

من الناحية المالية؛ نعم أعتقد أنه من الممكن، ولكن ليس من المرجح. لكن ما أرجحه أن يكون التعامل باليوان الصيني. لكن هل تقبل السعودية عملة ورقية أخرى بدلاً من الدولارات؟ في رأيي أنهم يفعلون... إذا كانوا قادرين على قراءة المستقبل وما يرسله من إشارات وتحذيرات. هل تسمح الصين للسعوديين بالاعتماد في خططهم المستقبلية على عملتها؟ هل من المتوقع أن يدعم الذهب اليوان الصيني؟ هل الصين لديها من الذهب ما يكفي لربط عملتها به؟ اسمحوا لي أن أجيب على ذلك؛ فالصين لديها على الأرجح الكثير من الذهب، و(ربما أكثر بكثير) من الذي ”تدعي“ الولايات المتحدة امتلاكه.

لكن هل سيكون هذا الذهب كافيًا؟ الجواب بالطبع يعتمد كليًا على مستوى ”السعر“ المحددأو درجة تداول الذهب. ويمكن عند مستوى ”بعض الأسعار“ للصين أن تصل إلى 100٪ من اليوان المدعوم بالذهب، كما يمكن ذلك لأي بلد ... إذا كانت تمتلك الذهب، والأسعار الدولية مرتفعة بما فيه الكفاية.

تلك هي الكثير من تكهناتي التي ترقى إلى الحس السليم. وقد تعتقد الولايات المتحدة أنه بإمكاننا أن نوصل روسيا إلى مرحلة الإفلاس مع انخفاض أسعار النفط ... وهذه هي ”خطتنا“، ولكني أرى أن تلك ليست هي ”الخطة“. وفي الواقع؛ فإن الحجة القائلة بإن انهيار أسعار النفط لا تؤذي (تدمّر) صناعة الصخر الزيتي لدينا إنما هي حجة غير صائبة؛ حيث إن هذا الانهيار يهدد نظامنا المالي. فبعد ست سنوات من محاولة إنعاش النظام عبر تسييل مالي غير مشروط  لا أرى أننا نجحنا في القضاء على التضخم.

لكن ما أراه بشدة هو ذلك المشهد من الشراكة الصينية / السعودية حيث يحقق كلاهما ”الفوز“ وتقف الولايات المتحدة فقط تراقب. وقد تكون تلك الشراكة بمثابة إسدال الستار على البترودولار الأمريكي، وطريقة ”مُهذبة“ للصينيين ليصعدوا لمركز الصدارة. وإذا كان الأمر كذلك؛ فإننا سوف نشاهد تشكيل ”النظام العالمي الجديد“، وليس فقط ما كان «روكفلر» يفكر فيه!

المصدر | بيل هولتر، جلوبال ريسيرش

  كلمات مفتاحية

السعودية الصين النفط النفط الصخري انخفاض أسعار النفط حرب أسعار النفط اليوان الدولار

هل تستطيع «أوبك» قتل طفرة النفط الأمريكي؟

الروبل الروسي يواجه شبح الانهيار مع تراجع النفط

السعودية تشن حرب أسعار ”غير مُقنِعة“ على النفط الصخري الأمريكي في اجتماع «أوبك»

كيف يؤثر انخفاض أسعار النفط السعودي على مشروعات النفط الصخري فى أمريكا؟

ضد من تستخدم السعودية سلاح النفط ؟!

الفايننشال تايمز: السعودية تستفيد من انخفاض أسعار النفط

طفرة النفط الصخري تغيّر التوقعات: الولايات المتحدة ستسبق روسيا والسعودية

عندما لا يملك السعوديون سياسة مالية بديلة

أسواق النفط في 2014

فاينانشيال تايمز: «مسرحية» أسعار النفط السعودية ستستمر على المدى القصير فقط