مصر والسعودية والسعي نحو الاستقرار في الشرق الأوسط

الثلاثاء 16 ديسمبر 2014 07:12 ص

يتميز دور مجلس التعاون الخليجي في الشرق الأوسط في المرحلة الحالية من تاريخ المنطقة بأمرين هامين. أولهما أن المنطقة من الواضح أنها تمر بمرحلة انتقالية. ثانيهما أن هذه الدول الخليجية ذاتها تسير أيضًا في طور الانتقال. لذلك فإن فرضية أنه يمكنها أن تلعب دور «المرساة» التي يُمكنها من إرساء وتدعيم قواعد الاستقرار في دول أخرى بطريقة مستدامة هو أمر مشكوك فيه في أحسن الأحوال.

لقد كان هناك اتفاق تمخضت عنه قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة التي انعقدت في الدوحة بشأن تشكيل قوة مشتركة فعالة من دول المجلس لتعزيز مناعة المنطقة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» الموجود حاليًا في العراق وسوريا أو تنظيم القاعدة المخرّب أو أي هجمات أخرى. لقد كان القرار امتدادًا منطقيًا لدور أكثر حزمًا في المنطقة التي بدأت دول مجلس التعاون الخليجي تلعب فيها دورًا منذ بضع سنوات مضت. وأشارت تقارير في عواصم بعض دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى القاهرة إلى دور محتمل للقوات العسكرية المصرية. ومع ذلك؛ فإن استقرار مصر المنشود منذ ثلاث أو أربع سنوات لا يزال سؤالاً لم يجد إجابة شافية بعد.

ومن الناحية النظرية؛ فإن الدور العسكري المصري في شبه الجزيرة العربية هو أمر إيجابي على الصعيد الأمني. لكن الجيش المصري يتحمل الآن مسئولية إدارة هذا البلد. ولا يأتي هذا الدور من دون ثمن في الدعم الشعبي أو التماسك المؤسسي. وبناءً عليه يتعين على القاهرة فحص الدور المقترح للجيش المصري في شبه الجزيرة العربية بعناية من جميع الزوايا قبل الإقدام على أي خطوة. هذا لا يعني أن المصريين لا ينبغي أن يلعبوا هذا الدور، ولكن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس تتمثل في ضرورة أخذ الوضع الداخلي المصري في الاعتبار.

الخط الإقليمي "المستقل" الناشئ في دول مجلس التعاون الخليجي هو نتيجة لشكوك عميقة وخيبات أمل من سياسات الولايات المتحدة الإقليمية. كما أنه مفهوم قطري شائع منظم بشكل جماعي مبالغ فيه يفضي إلى دعم الأمن الخاص والوزن النسبي من خلال سياسات إقليمية حازمة. ويعكس ذلك موقفًا محددًا: «ينبغي علينا أن نفعل ذلك بأنفسنا لأن الأمريكيين لا يفعلون ذلك. وإذا فعلوه فإنه سيكون لخدمة مصالحهم الخاصة حتى لو كان يمثل تهديدًا لنا». بمعنى أوسع؛ فإن هذا يُعد انعكاسًا لتطور إعادة التخطيط على المستوى العالمي والتغير المستمر في الأوزان والمصالح النسبية. وهو اتجاه موضوعي ينبغي صياغته والتأثير فيه بكل الوسائل الممكنة.

وفي الوقت ذاته؛ فإن «المرساة» الإقليمية الأخرى - المملكة العربية السعودية – مفتوحة أيضًا على مصراعيها للعديد من التغييرات التي يصعب التنبؤ بها. فالملك «عبد الله بن عبدالعزيز» صاحب التسعين عامًا لن يعيش إلى الأبد. ويواجه وزير الداخلية القوي - الأمير «محمد بن نايف» - الذي كان في زيارة رسمية للولايات المتحدة خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الجاري لمناقشة موضوع القوة المشتركة ضمن أجندة ضمت أمورًا أخرى - إلى حد كبير بعض المعارضة التي تضع العقبات الكئود في طريق توليه العرش. وهناك مجموعة مُعقدة من القواعد المُطبقة داخل الأسرة الحاكمة في السعودية تجعل المنافسة أهم مصدر للقلق لأولئك الذين يفهمون الدور الحاسم للمملكة العربية السعودية في تحقيق الاستقرار في المنطقة. وفي الوقت الذي يستعيد فيه «محمد بن نايف» مكانته داخل الوطن (مع التراجع السريع في النفوذ القوي لرئيس الديوان الملكي خالد التويجري) فسوف يكون من الخطأ أن نقلل من حجم ونفوذ منافسي نايف. ومؤخرًا؛ فقد شقيقه منصبه الحساس كحاكم لأمن أقوى المحافظات الشرقية.

الاستقرار في المملكة العربية السعودية - كما هو الحال في أي دولة عربية أخرى - هو في المقام الأول من اختصاص الوضع الداخلي، وليست المشكلة في أي تهديد خارجي. وهذا يجعل مسألة وجود قوة عسكرية مشتركة أقل أهمية من الطريقة التي تبدوا في الظاهر. ولا تختلف المملكة العربية السعودية عن باقي الدول العربية بشكل عام. فالأوضاع الداخلية في جميعها تقريبًا عبارة عن شهادة حية على التناقضات غير المستقرة التي أرجأها التاريخ لسبب أو لآخر. ويبقى عدم القدرة على التعامل علنًا مع أهم القضايا المُلحة بمثابة المشكلة التي تؤثر على كل منهم.

وتمتلك عمان أيضًا مصادرها الخاصة التي تُكدّر عليها صفو الاستقرار. ويعاني السلطان «قابوس» سرطان القولون في مراحله المتأخرة، وفي حالة موت السلطان يتم اختيار خليفته من خلال مشاورات داخلية داخل الأسرة الحاكمة. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في غضون ثلاثة أيام يتم فتح بريد مُغلق كتبه السلطان قبل وفاته. وفي داخل الخطاب يوجد اسم السلطان الجديد الذي حدده الراحل. ويحدث ذلك في السلطنة – التي تنعم باستقرار نسبي - في الوقت الذي تستشرفها أزمة انخفاض الإيرادات بشكل حاد، والتي أظهرت علامات الاستياء بين المواطنين.

وتعيش قطر في عزلة. ولم يرقَ الحديث عن مصالحة بين الدوحة والقاهرة إلى واقع فعلي. وقلل الترتيب الأخير داخل دول مجلس التعاون الخليجي التوتر مع الدوحة لكنه لم يقضِ على شكوكٍ استمرت طيلة عشر سنوات. وقامت قطر بإرجاء عمليه إبعاد قائمة ثانية من قادة الإخوان المسلمين عن أراضيها بحجة أنها لا تزال تبحث عن بلد يقبل استضافتهم. واستأنفت الأبواق الإعلامية القطرية هجماتها ضد الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، وقامت بتغطية إعلامية لما يُطلق عليه «الثورة الإسلامية المستمرة» في مصر.

ولا تخفى مشكلات البحرين الداخلية على القاصي والداني، ولكن الأسوأ من ذلك هو أنه ليس هناك علامة على حلّ يقوم على مصالحة وطنية.

هل يعطي هذا كله الإيرانيين فرصة للتدخل في ظل هذا الوضع الانتقالي في دول مجلس التعاون الخليجي؟ إذا فعلوا ذلك فإنهم سيؤذون أنفسهم. لقد تعلمنا الدرس المرير أن الدول الشرق أوسطية مخلوقات غريبة. إذا كانوا لا يروقون لك فانتظر لترى ماذا سيفعلون. أولئك الذين يأملون في تغيير النظام في تلك المنطقة من الأفضل أن يدركوا ما الذي يختمر في عقول أهلها.

وتُعدّ المنطقة تحديًا فكريًا؛ بمعنى أنها تتطلب مجهودًا عقليًا. كما أنها بمثابة تحدٍ أمنيٍ. وفي الوقت ذاته تحد سياسي وتاريخي. إجمالاً يمكن القول بأنه تحد في جميع المناحي. فلا الحفاظ على الوضع الراهن ولا حتى تغييره هي الطريقة التي تؤدي إلى استقرار مُرضٍ على المدى الطويل أو توصّل إلى هذا الهدف بعيد المنال. الطريقة الوحيدة المتبقية هي «الإدارة الدقيقة» للمنطقة التي لن تتوقف عن إثارة دهشة واستغراب العالم لعقود قادمة. ويبدوا أن مساعدة «المرساة» المصرية لتستقر على أرض صلبة إلى درجة معقولة من الاستقرار من خلال التنمية الاقتصادية، ومساعدة «المرساة» السعودية للوصول إلى مرحلة انتقالية آمنة وتعزيز الأمن الداخلي هو كل المتاح الآن. أولئك الذين يتحدثون عن «الحلول المثالية»  و«التصحيح السياسي» عليهم أن يتذكروا دائمًا: لا يوجد مثل ذلك في الشرق الأوسط. ليس الآن على الأقل.

المصدر | ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

مصر السعودية السيسي الشرق الأوسط

«مجتهد»: الملك «عبدالله» وفريق «التويجري» يسعون للإطاحة بـ«محمد بن نايف»

«أسوشيتد برس»: تحالف عسكري مصري خليجي لمواجهة الإسلاميين المسلحين

رياض الصيداوي: مخطط خالد التويجري لإيصال الأمير متعب لحكم السعودية بات واضحا