روسيا: عسكرة برغم الأزمة الاقتصادية

السبت 20 ديسمبر 2014 04:12 ص

من هاني شادي | بيروت - تشير التوقعات كافة إلى أن النمو الاقتصادي في روسيا سيكون سالباً في العام 2015. وتتراوح تقديرات تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي في العام المقبل بين 1.7 و4.7 في المئة، علما أن العام الحالي سينتهي بــ «نمو صفري»، أو 0.5 في المئة على أقصى تقدير.

تعتمد هذه التكهنات، في المقام الأول، على سلوك «برميل النفط» في السوق العالمية. وبرغم هذا التراجع المتوقع في النمو الاقتصادي، أظهرت ميزانية الدولة الروسية للعام 2015 أن النفقات العسكرية سترتفع بنسبة 33 في المئة مقارنة بالعام 2014. وبذلك، ترتفع نسبة هذه النفقات العسكرية في النفقات العامة للدولة الروسية من 7.5 إلى 21.2 في المئة خلال الفترة 2011 ـــ 2015.

ونتيجة لمحدودية المعلومات المتوافرة في روسيا حول الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تتباين التقديرات في هذا الشأن. لكن الواضح تماما أن تلك النفقات في تزايد مستمر خلال الأعوام الماضية. ففي العام 2011، كانت حصة النفقات العسكرية نحو 2.8 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، بينما ستبلغ في 2015 و2016 نحو 3.8 في المئة و3.9 في المئة على التوالي.

غير أن البنك الدولي يشير إلى أن نسبة النفقات العسكرية في روسيا في 2013 بلغت نحو 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وللمقارنة، تبلغ نفقات الدفاع في الولايات المتحدة الأميركية 4.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي بريطانيا 2.5 في المئة، وفرنسا 2.2 في المئة، والصين 2.1 في المئة، وألمانيا 1.3 في المئة، وأوكرانيا 2.9 في المئة.

ويشير الخبير الروسي، انطون سوروكو، إلى أن النفقات العسكرية الفعلية في روسيا تبلغ 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يفوق عمليا هذه النسبة في الولايات المتحدة. ولكن الولايات المتحدة الأميركية تحتل مركز الصدارة بلا منازع من حيث الأرقام المطلقة للإنفاق العسكري، بمبلغ 585 مليار دولار في 2015. وهذا المبلغ يعادل تقريبا أو يزيد قليلا عن مجمل برنامج روسيا لتحديث الجيش خلال عشر سنوات.

ويُعلل المسؤولون الروس زيادة نسبة النفقات العسكرية في روسيا على النحو المشار إليه في ظل الأزمة الاقتصادية بالتحديات الجيوسياسية التي تواجه روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية والنشاط العسكري المحموم للولايات المتحدة و»حلف شمال الأطلسي» بالقرب من الحدود الروسية في دول البلطيق وشرق أوروبا.

في هذا السياق، يؤكد سيرغي غلازيف، مستشار الرئيس الروسي للشؤون الاقتصادية، أهمية زيادة النفقات العسكرية ورفع المستوى التكنولوجي لمنتجات المجمع الصناعي العسكري الروسي في ضوء الوضع الجيوسياسي المعقد، غير مستبعد احتمال اشتعال «حرب عالمية» جديدة خلال السنوات المقبلة. ونقلت وكالة الأنباء الحكومية الروسية «تاس» في 17 كانون الأول الجاري عن وزير الخارجية سيرغي لافروف عدم استبعاده ظهور أسلحة نووية روسية في شبه جزيرة القرم.

ويرى الخبير فلاديمير كوزين، من أكاديمية العلوم العسكرية الروسية، أن تعزيز القوات الروسية المتمركزة في القرم والمناطق المحاذية للدول الأعضاء في «حلف شمال الأطلسي»، بما في ذلك بأسلحة نووية، يعتبر تصرفا صحيحا ومنطقيا.

ويرى أن الولايات المتحدة وحلفاءها بدأت بشن حرب باردة من نوع جديد ضد روسيا، وهو أمر يتطلب الرد المناسب من جانب موسكو. ويلفت كوزين إلى وجود حوالي 500 قطعة من الأسلحة النووية التكتيكية الاميركية في أوروبا، غير مستبعد ظهور مثل هذه الأسلحة في دول البلطيق لان المعاهدات الدولية الحالية لا تمنع نشرها هناك.

ومن المعروف أن طائرات مقاتلة تابعة لحلف «الناتو» تقوم بأعمال عسكرية دورية في البلطيق منذ العام 2004، حيث يمكن لهذه الطائرات ان تستخدم الأسلحة التقليدية والنووية. علما أن عدد الطلعات القتالية لطائرات الحلف ازداد بمقدار 1294 مرة فوق منطقة البلطيق. ويرى الروس أيضا أن مواقع الدفاع المضاد للصواريخ الأميركية في رومانيا وبولندا، والمنظومة القتالية الضاربة المتمركزة على السفن الاميركية المنتشرة في بحر بارنتس وبحر البلطيق والبحر الأسود والبحر الابيض المتوسط، تشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي الروسي.

من ثم ينبغي زيادة الإنفاق العسكري مهما كانت الصعاب الاقتصادية المترتبة على ذلك. وتُظهر استطلاعات الرأي في روسيا أن 46 في المئة من المواطنين يؤيدون زيادة النفقات العسكرية، حتى لو أدت إلى مزيد من المتاعب الاقتصادية، بينما يعارض ذلك نحو 41 في المئة من الروس.

ولكن بعض الدراسات في روسيا تبين أنه لا تأثير إيجابيا على الناتج المحلي الإجمالي الروسي جراء زيادة النفقات العسكرية، وإن وُجد، فهو زهيد. وتعتقد هذه الدراسات أنه، من وجهة نظر التنمية طويلة الأمد، يُفضل توظيف الأموال في التعليم والرعاية الصحية، لأن زيادة الإنفاق على المجمع الصناعي العسكري يتزامن عادة مع انخفاض النفقات على الجوانب الاجتماعية في الميزانية. لكن الحكومة الروسية لها وجهة نظر أخرى، حيث تؤكد أن طلبيات الدفاع ضمنت نمو الصناعة الروسية في النصف الأول من العام 2014، إذ ازداد إنتاج السفن والطائرات والمعدات الفضائية وغير ذلك من وسائط النقل بنسبة 26.9 في المئة.

والسؤال المشروع، هنا، هو من أين ستأتي الحكومة الروسية بالموارد اللازمة لتمويل هذا الإنفاق العسكري المتزايد في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية والتراجع المتوقع في الاقتصاد الروسي؟

يرد غالبية المسؤولين الحكوميين الروس على هذا السؤال بالقول «إنهم يشعرون بالتفاؤل ويتوقعون ارتفاع أسعار النفط وإلغاء أو تخفيف العقوبات الغربية في العام المقبل».

أي أنهم ما زالوا يراهنون على «النموذج الاقتصادي» السائد في روسيا، والمعتمد بدرجة كبيرة على تصدير النفط والغاز وغيرهما من المواد الخام مقابل استيراد التكنولوجيا الحديثة من الغرب. في الحقيقة، ان المشكلة الأساسية بالنسبة إلى روسيا تكمن تحديدا في هذا النموذج الاقتصادي للنمو، الذي يعكس طبيعة «رأسمالية الدولة الأوليغاركية» التي تشكلت خلال السنوات الأخيرة.

فالأمر يتطلب تغيير النموذج وتغيير النهج والسياسة الاقتصادية. وفي هذه الحالة سيكون من المبرر تماما زيادة الإنفاق العسكري وتطوير الاقتصاد على أُسس جديدة لمواجهة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الصعبة الحالية.

المصدر | السفير

  كلمات مفتاحية

روسيا العسكرة الاقتصاد سيرغي لافروف النفط الحدود الصناعة بريطانيا

انخفاض الاحتياطي النقدي لروسيا إلى 388.5 مليار دولار بنهاية 2014

مسؤولون غربيون: «بوتين» يمثل «خطرا حقيقيا وراهنا» على دول البلطيق