الغارديان: كيف حولت قطر نقمة الحصار إلى نعمة؟

الأحد 22 أكتوبر 2017 01:10 ص

اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية أن قطر نجحت في مواجهة الحصار المفروض عليها من 4 دول عربية وتمكنت من تحويله من نقمة إلى نعمة.

وبدأت الصحيفة تقريرها بالقول «يصل جون دور إلى مطار حمد الدولي الضخم والفاخر في الدوحة لاستقبال الرحلة القادمة في الساعة الثامنة مساء من لوس أنجلوس عبر لييج في بلجيكا».

ومضت قائلة «من سيستقبلهم السيد دور ليسوا من العائلة ولا الأصدقاء، وليسوا بشراً على الإطلاق، بل قطيع مؤلف من 120 بقرة».

وأضافت: «قد لا يبدو مزارع من مقاطعة كو كيلدار الأيرلندية والبالغ من العمر 58 عاماً شخصية محورية في النزاع المريع بين دول الخليج، لكن بصفته الرئيس التنفيذي لمزرعة بلدنا المترامية الأطراف في الصحراء القطرية على بعد 60 كيلومتراً شمال الدوحة، يعتبر السيد دور لاعبا أساسيا في كسر قطر للحصار.

وتابع التقرير أن الأمن الغذائي «أصبح هدفا أساسيا لبلد يواجه مقاطعة برية وبحرية وجوية فرضتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين في يونيو/ حزيران الماضي، وذلك في سياق نزاع جيوسياسي طويل ومتشعب، مر باتهامات لها بتمويل الإرهاب واستضافة كأس العالم ودعم الإخوان المسلمين وبناء علاقات مع إيران».

ورأى التقرير أن مسألة ما إذا كانت قطر تستطيع تحمل المقاطعة، تشكل تحديا لاقتصادها المزدهر سابقاً، وتساءل عما إذا كانت قادرة على مقاومة ليس الحصار المادي فحسب بل أيضاً سحب الاستثمارات المالية من جانب الجيران السعوديين والإماراتيين. قبل أن يخلص إلى القول «لكن المشهد العمراني الشامخ في الدوحة يشير إلى أن قطر ليست دولة تقبل أنصاف الإنجازات وأنها قادرة على مقاومة الحصار».

وتقوم الشركة الأم لمزرعة (بلدنا) في قطر، وهي شركة الطاقة الدولية القابضة، بإنفاق كثير من المال في هذا التحدي. وكانت قطر تعتمد سابقا على السعودية في معظم إمداداتها من الحليب، وكان عليها في بداية الحصار الاعتماد على كرم من تبقى من حلفائها الإقليميين، لا سيما تركيا وإيران.

 ولكن الآن يقوم الأيرلندي دور باستيراد الأبقار من الولايات المتحدة بأسرع ما يستطيع، كما يخطط لاستكمال قطيعه الحالي البالغ 4000 رأس، والكفيل بتغطية 30% إلى 40% من سوق الحليب في قطر لتلبية كامل احتياجات قطر. وينتظر دور وصول 10 آلاف رأس أخرى حتى الصيف المقبل. وهو ما يكفي لتلبية احتياجات سكان البلاد البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من الحليب، وفق الصحيفة.

وحسب التقرير، يتم حالياً نقل آلاف الأبقار إلى حظائرها الخاصة ضمن أقبية عملاقة، حيث ما يزال اللحامون يستكملون تشييد السور. كذلك يتم تبريد الحظائر بمراوح عملاقة وبخاخات مياه تخفف من الحرارة الخانقة والرطوبة.

وتتلقى الأبقار أطعمة جافة ويتم حلبها ميكانيكياً عن طريق آلات دوارة شديدة التطور تعمل على مدار 24 ساعة.

 كذلك توجد صالة تتيح للأسر القطرية مشاهدة عملية الحلب. وفي أماكن أخرى من المكان الشاسع الممتد على مساحة 70 هكتاراً (173 فداناً)، تقوم عشرات الحفارات بتسطيح المنطقة التي تستعد لاحتضان مزيد من حظائر الماشية.

وتنقل الصحيفة عن «دور» قوله «لقد كانت المقاطعة ذات فائدة عظيمة لقطر بطريقة ما».

وأضاف «تسببت بيقظة في جميع أنحاء البلاد، فجعلتهم يدركون حجم الفرص المتاحة لهم، وليس فقط في المزارع ولكن كذلك في المجالات الأخرى. ونحو 80% من الأغذية كانت تأتي في السابق من جيران قطر. أحياناً تحتاج البلدان إلى الحرب أو التهديد بالحرب لكي تستفيق على مسألة الأمن الغذائي وأهميته».

السعودية تضررت

وأشار «دور» إلى أن السعودية هي التي تضررت من الحصار. فحين يرفع الحصار سيكون هناك كثير من الفخر والشعور القومي القطري الذي سيدفع الناس لشراء الحليب القطري، لا السعودي. أعتقد أن البيئة بأكملها ستتغير تماماً. التحدي الذي بين أيدينا هو إنتاج ما يكفي من الحليب. إذا تمكنا من إنتاج ما يكفي فإن أهل قطر سيشترونه».

وقال «دور» إن مزرعته ستكون أكثر إنتاجية من المزارع السعودية، إذ تبلغ نسبة العمالة شخصاً واحداً لكل 75 بقرة في السعودية، مقابل واحد لكل 45 بقرة في قطر. كما أن أبقاره ستقف أيضاً على فرش مطاطية، حيث ستقوم كاشطات آلية بإزالة فضلاتها. وأضاف: «سننتج ما يكفي من السماد لجعل قطر خضراء».

ويمثل الاكتفاء الذاتي مجرد اختبار لقدرة قطر على تحمل الحصار وربما الخروج بعده أقوى مما كانت عليه، إذ تستعد لاستقبال عشرات آلاف الزوار لكأس العالم 2022.

أما بالنسبة لاحتياطيات البلاد الضخمة من المال، تقول الصحيفة، فقد تلقى الاقتصاد ضربة في البداية، إذ شهدت الأشهر القليلة الأولى سحباً كبيراً للودائع الرأسمالية.

وقام مصرف قطر المركزي وصناديق حكومية الأخرى بضخ ما يقرب من 38.5 مليار دولار (29.2 مليار جنيه إسترليني) من احتياطيات البلاد البالغة 340 مليار دولار في الاقتصاد الوطني لتخفيف الضغط على سعر الصرف وتخفيف أثر سحب الاستثمارات. ولكن الوضع يسير بشكل جيد حالياً.

المنطقة بأكملها تضررت

التحديات الاقتصادية لا تزال قائمة وبعضها يعود إلى ما قبل المقاطعة، لكن «يوسف محمد الجيدة»، رئيس هيئة مركز قطر للمال، قال للصحيفة إن المنطقة بأكملها تضررت.

وأضاف «كانت دول مجلس التعاون الخليجي المكان الأكثر أماناً على كوكب الأرض. لكن سمعتها تغيرت كثيراً بالنسبة للعالم. وتوجب على كثير من الشركات إعادة تحديد سجلات المخاطر الخاصة بها».

ورأى أن «القطاع المالي القطري استقر الآن، وساعدت الموانئ الجديدة، وخاصة في عمان، في تقديم الخدمات اللوجيستية، واستبدال ميناء جبل علي في دبي... وسواء بأزمة أو بدون أزمة، كان هذا التباطؤ في النمو صحياً في هذه المرحلة».

وأضف «الجيدة»«على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية كنا أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. نحن نتحدث عن اقتصاد بلغ حجمه 6 مليارات دولار في عام 2000 وبلغ 200 مليار دولار عام 2015. لكن لم يتغير شيء جوهري. حتى الآن لم نفوت شحنة واحدة من الطاقة. وحاولت دول الحصار إجبار الشركات على الاختيار بينها وبين قطر لكنها تراجعت».

استقرار السوق القطري

ونقلت الصحيفة عن وزير المالية القطري «علي شريف العمادي»، قوله إنه «ليس سراً أننا ضخينا سيولة في الاقتصاد الوطني. كان ذلك تدبيراً وقائياً، ولكن يمكن التأكيد الآن أن السوق قادر على امتصاص كل هذه الأخبار السيئة. من حيث سيولتنا وعُملتنا، نعتقد أن السوق الآن مستقر جدا».

وتابع «إذا نظرت إلى الشهر الثاني من الحصار، عاد الميزان التجاري ــ الواردات والصادرات ــ تقريباً إلى مستويات ما قبل الأزمة. لمدة شهر واحد عانينا من انخفاض بنسبة 40% في الواردات، ولكننا اكتفينا بسرعة. لقد تحول البلد بأسره في أقل من شهر، وبدلاً من الاعتماد على مجموعة واحدة من البلدان أصبحت لدينا الآن إمكانية الوصول إلى أكثر من 80 بلداً. وانخفض التضخم في أسعار الغذاء. وعلى الرغم من كل الألم الناتج عن تفكك العلاقات الشخصية والأسرية ونسيج مجلس التعاون الخليجي، إلا أن المقاطعة فتحت الباب لكثير من الفرص الاقتصادية. انظر فقط إلى السياحة والقطاع الصحي والأمن الغذائي».

وقال «الجيدة»، «لقد اتخذت قطر أصعب الخطوات قبل 20 عاماً. فقد كانت تستثمر مع الشركات العالمية في الغاز المسال وفي صناعات النفط والغاز وغيرها من المرافق. إكسون موبيل كانت تعمل هنا قبل 20 عاماً، وليس قبل عامين. في ذلك الوقت كان من الصعب جداً دعوة الشركات الأجنبية للاستثمار في مواردنا الطبيعية، حتى ثقافياً كان يصعب تبرير ذلك. لقد حققنا استثمارات كبيرة في التعليم».

وخلصت الصحيفة إلى القول إنه «الآن تدفع المقاطعة الماركة القطرية إلى مزيد من الانفتاح، وإلى تحرير قوانين الإقامة الدائمة، وإلغاء متطلبات التأشيرة لـ80 دولة، وتخفيض الإيجارات إلى النصف بالنسبة لكثير من الشركات. كذلك تهدف الخطة المقبلة إلى تحويل البلاد إلى المكان الأكثر جاذبية للشركات الراغبة في التجارة مع الكويت وإيران والعراق وباكستان وعمان».

ونقلت عن «الجيدة» قوله «إنها حقبة جديدة، ونحن مصممون على تحويل ما حدث من نقمة إلى نعمة».

ارتفاع الصادرات غير النفطية

وارتفعت الصادرات غير النفطية لدولة قطر بنسبة 48.7% خلال سبتمبر/أيلول الماضي، لتصل إلى مليار و570 مليون ريال، مقارنة بنحو مليار و56 مليون ريال خلال نفس الشهر من العام الماضي.

وأظهر التقرير الشهري لغرفة قطر حول التجارة الخارجية للقطاع الخاص أن إجمالي قيمة الصادرات غير النفطية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2017 بلغ 13 مليار و 300 مليون ريال.

وقبل أيام، كشفت بيانات صندوق النقد الدولي عن تراجع نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي للعام الجاري 2017، باستثناء قطر، التي تحافظ وحدها على الصعود رغم تخفيض الصندوق توقعات نموها عن مؤشرات سابقة.

ورجح الصندوق في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، والذي نشره على موقعه الإلكتروني، أن يبلغ نمو الاقتصاد القطري 2.5% بنهاية العام الجاري، بينما كان قد سجل في 2016 نموا بـ2.2%، وسط توقعات بارتفاع النمو إلى 3.1% العام المقبل 2018.

ووصف وزير المالية القطري، الأسبوع الماضي، إجراءات دول الحصار، بأنها جاءت بنتائج عكسية تماما لما تم التخطيط له، حيث رفضت الدوحة سياسات التركيع واستغلت ما حدث لتعزيز قوتها السياسية والاقتصادية.

وقطعت دول الحصار علاقاتها مع قطر بدعوى دعمها الإرهاب وهو ما تنفيه الدوحة.

المصدر | العربي الجديد + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ثطر دول الحصار أبقار الاقتصاد القطري