أوهام ألمانية الاقتصادية

الأحد 8 فبراير 2015 04:02 ص

«إن إعجابنا بأنفسنا يجعلنا عمياناً وحمقى». هكذا كتب «مارسيل فراتسشير»، مدير «المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية» في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان «الوهم الألماني». ويشير الكتاب إلى أن الاقتصاد الألماني، وبرغم قوته، يحمل في ثناياه أسباب ضعف كثيرة. إنه «كتاب يستحقّ القراءة» يقول سيغمار غابرييل وزير الاقتصاد في الحكومة الائتلافية الحالية، ورئيس «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» المشارك فيها، وهو اختاره ليكون رئيساً للجنة الخبراء التي تقدّم المشورة والاقتراحات له، والمهمة الأولى لفراتشير هي كيفية زيادة الاستثمارات، سواء من قبل الحكومة أو من الشركات الخاصة. 

«ملء فجوة الاستثمارات»، كانت تلك الفكرة الأساسية التي خصصت لها المستشارة انجيلا ميركل بعض خطاباتها الأسبوعية من خلال الإذاعة الحكومية. وقد دعت إلى الاستثمار في مشاريع الكهرباء، وشبكات الاتصال، وشق الطرق، ومختلف النشاطات الاقتصادية من أجل حفز النمو. ويُعدّ هذا الأمر نجاحاً ملحوظاً لأفكار فراتشير،الذي يعتبر يسارياً في وجه «معهد ميونخ للأبحاث الاقتصادية»، والذي يُعدّ محافظاً. والفكرة الرائجة عن الاقتصاد الألماني أنه حقق ثلاث نجاحات باهرة هي «معجزة فرص العمل» و «الصادرات الهائلة» التي تعتمد على الشركات الكبرى التنافسية والموازنة الحكومية المتوازنة». 

يقول فراتشير إنه من الطبيعي أن يفخر الألمان بإنجازاتهم الاقتصادية، ولكن ذلك لا يجب أن يحجب عنهم العيوب التي يغطيها هذا النجاح. فمعجزة القضاء على البطالة ترجع إلى خلق ما يُسمّى بـ «العمل الجزئي» و«العمل الموسمي». وقد انخفض عدد العاطلين عن العمل من 5 ملايين إلى 3 ملايين. وصعود الصادرات لا يعود إلى زيادة الإنتاجية، بل إلى المحافظة على الأجور في مستواها الحالي. كما يبقى قطاع الخدمات الالماني متفوقاً وخارج إطار المنافسة. والقضاء على العجز في الموازنة يرجع إلى الضرائب المرتفعة التي يدفعها العاملون في القطاع العام والخاص.
يقول فراتشير أيضاً إن هذه الأفكار تشكو من ثلاثة أوهام: 

الوهم الأول هو الاعتقاد بأن ألمانيا ستظل قوية ما دامت تسير على نهجها الحالي. والثاني هو الاعتقاد بأن لا حاجة لها لعملة اليورو. والثالث هو كثرة الظنون حول البلدان الأوروبية المتعثرة واعتبار دافع الضرائب الألماني «الضحية» المفترضة لها.

إن المشكلة الكبرى للاقتصاد الألماني ترجع إلى انعدام التوازن بين الادخار والاستثمار. يدخر الألمان جزءاً كبيراً من أموالهم، ولكنهم يرسلونها إلى الخارج للحصول على فائدة مصرفية أكبر. والأفضل للألمان هو الاستثمار في بلدهم. لقد استثمرت ألمانيا 23 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي في العام 1999 ولكنها اليوم تستثمر 17 في المئة منه. كما أن الاستثمارات الحكومية تبقى ضعيفة. إن الاستثمارات المحلية المنخفضة تعني أن الواردات من الخارج ضعيفة وغير مؤثرة، وينتج عن ذلك فائض هائل في الحساب الجاري لألمانيا. وهذا ما تشكو منه أميركا والبلدان الأوروبية.

إن انخفاض الاستثمار مسؤول عن انخفاض الإنتاجية. وسوق أسهم الشركات الصناعية هو اليوم أقل مما كان عليه في بداية الألفية، وهذا كله يشير إلى مستقبل قاتم بالنسبة للاقتصاد الألماني.

 

 

المصدر | سمير التنير، السفير

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد الكهرباء ألمانيا اليورو