مصر: أم زبيدة وتهمة «الاستقواء بالخارج»

الخميس 1 مارس 2018 06:03 ص

مصر: أم زبيدة وتهمة «الاستقواء بالخارج»

استشاط النظام المصري غضبا بسبب فيلم وثائقي بثته قناة «بي بي سي» البريطانية تناول قضية الاختفاء القسري، وحرّك بسرعة مسؤوليه القانونيين لـ«ضبط وسائل الإعلام التي تبث أكاذيب من شأنها الإضرار بمصالح مصر»، كما قال بيان النائب العام المصري نبيل صادق، الذي رفع فجأة الادعاء إلى مستوى اصطلاحي جديد لا علاقة له بالقانون، مستخدما مصطلح «قوى الشر»، وهو مصطلح يثير السخرية والتعجب حين يصدر عن مؤسسة قضائية مهمّة.

وإذا كان النائب العام يتصرّف ويتحدث بهذه الطريقة فلا غرابة أن يقوم أحد المحامين المختصين بإعلان الدعاوى القضائية ضد كل من يتهدد النظام، بتقديم دعوى مستعجلة لترحيل المراسلة البريطانية التي قدمت الفيلم، وباعتبار «بي بي سي» «قناة عميلة تتعمد نشر أخبار عارية من الصحة كأكذوبة اختفاء الفتاة زبيدة قسريا».

كما حرّك النظام الهيئة الوطنية للاستعلامات التي دعت «بي بي سي» للاعتذار. لكن الأنكى من كل ذلك أن السلطات الأمنية طالبت باعتقال إحدى المشاركات في الفيلم، والمدعوة أم زبيدة، تحت طائلة اتهامها «بنشر أخبار كاذبة والاستقواء بالخارج».

الاستنفار الأمني ضد السيدة المذكورة جاء بسبب كشفها، في الفيلم الآنف الذكر، اختفاء ابنتها قسريا واتهامها وزارة الداخلية بإخفائها والاعتداء عليها واغتصابها، الأمر الذي أثار عليها أجهزة الأمن فردّت بطرقها المعهودة التي لا يهمها الإساءة للعقل والمنطق ويجمع بين الفظاظة اللاأخلاقية والعدوانية المكشوفة عبر إظهار الفتاة على التلفزيون مع الإعلامي عمرو أديب لتكذب شهادة أمها، وهو ما ردّت عليه الأم المنكوبة بكشف تفاصيل عن اعتقال الفتاة وتعذيبها ثم رميها بعد قرابة شهر في منطقة أكتوبر.

في أوركسترا الفضائح القانونية والإعلامية والأمنية هذه، يتواجه جبروت الدولة، بقضّها وقضيضها، مع مواطنين بسطاء ليس لديهم طرق للدفاع عن أنفسهم فيستنفر النائب العام المعيّن والمحامي المأجور والإعلامي السليط اللسان لتحطيم كرامة عائلة لأن أحد أفرادها، أم زبيدة، تجرأت على قول الحقيقة التي يعرفها الناس جميعا.

أما لماذا تنفعل أجهزة الأمن وتوابعها القانونية والإعلامية من كشف حقيقة معروفة فلأنها، أولا، تأخذها العزة بالإثم، وثانياً، وهو الأهم، لأن الكاشف هو قناة بريطانية، وهو ما قد يزعج ولاة الأمور في مصر لأن الإعلام الغربيّ لديه من يسمعه من أصحاب الشأن الأجانب، والذين قد يقرّعون النظام ومسؤوليه على انكشاف أفعالهم الشائنة، أو يتهددونه بمحاسبته، وكل ذلك في وقت يسعى فيه الرئيس المصريّ لإعادة تنصيبه رئيسا في انتخابات همشت كل منافسيه وأبعدت خصومه وصارت البلاد جاهزة للحفل.

تهمة «الاستقواء بالخارج» الموجهة من نظام تحمي إسرائيل حدوده من شعبه، لمجرد دفاع أم عن ابنتها، بهذا المعنى، هو تنافس مع النظام على أذن «الخارج» واهتمامه، فالنظام، كما يفعل في كل شيء على أرض مصر، يريد احتكار «الاستقواء بالخارج» لنفسه، ولا يريد منافسين له في الأمر.

  كلمات مفتاحية

مصر أم زبيدة تهمة «الاستقواء بالخارج» النظام المصري تقرير «بي بي سي» الاختفاء القسري الاغتصاب النائب العام المصري مصطلح «قوى الشر» إسرائيل هيئة الاستعلامات السلطات الأمنية «نشر أخبار كاذبة والاستقواء بالخارج» الاستنفار الأمني

مصر تطالب «بي بي سي» باعتذار عن تقرير «زبيدة»