استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تنقيح التراث ضرورة لهزيمة التطرف

الأربعاء 11 فبراير 2015 08:02 ص

لا يتفق الكثيرون مع ما طرحه أدونيس الاسبوع الماضي في محاضرته على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب حين دعا إلى «القطيعة مع الموروث الثقافي المتراكم من مئات السنين واليقينيات التي يقوم عليها التراث العربي من خلال إحياء البحث والتساؤل والتفكير للوصول إلى ما يمكن أن نسميه حداثة». كما يختلف الكثيرون معه حين قال «الأطروحات والأفكار والقطائع التي حدثت بدءا من القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) وبشكل خاص في بغداد أكثر جرأة وأكثر عمقا وأكثر جذرية من أطروحاتنا المعاصرة اليوم». 

لكن المفكر السوري الحداثي ربما لامس شيئا من مشكلة الفكر العربي والإسلامي بقوله هذا.

فاذا كانت هناك جدية في التعاطي مع ظاهرة العنف المفرط والتطرف والإرهاب وهي الظواهر التي تربط ظلما بالإسلام، فلا بد من التوفر على قدر من الشجاعة غيرالمألوفة خصوصا لدى العلماء وأصحاب القلم لطرح منظور آخر للدين الإسلامي وتاريخه واخلاقه وانسانيته. هذه الشجاعة ما تزال مفقودة برغم فداحة الاوضاع الراهنة في المنطقة.

من أهم ظواهر غيابها حالة الانتقائية في المواقف ازاء ما يجري. يتضح هذا الصمت من ظواهر خمس:

أولاها أن الصمت كان سيد الموقف في اغلب حالات العنف المفرط التي ارتكبت ليس على مدى فترة قصيرة بل منذ اكثر من عشرة أعوام، لأن الموقف الرسمي العربي والغربي التزم الصمت، وفرض نفسه على مواقف العلماء والمفكرين والكتاب. ويعتبر مجاراة المواقف الرسمية، سواء بقرار واضح من اهل الفقه والفكر ام استجابة للظروف استسلاما من جهة وإخلالا بالمسؤولية من جهة اخرى.

وأدى غياب الموقف المسؤول عن الساحة إلى تشجيع المتطرفين على تجنيد الشباب من كافة البلدان. فحين يكون هناك اكثر من ثلاثة آلاف من التونسيين ومثلهم من السعودية والاردن قد انخرطوا في تيار التطرف فان ذلك انعكاس للفراغ الفكري والأيديولوجي والأخلاقي في الساحتين الإسلامية والعربية.

ثانيها: نجاح قوى الثورة المضادة في طرح اكبر سلاح ضد تلك الثورات، وهو سلاح الطائفية الذي مزق الامة وساهم في انتشار ظاهرة التطرف وتهميش قوى الاعتدال وافشال مشاريع الاصلاح السياسي التي رفعت لواءها ثورات الربيع العربي في مثل هذه الايام قبل أربعة اعوام. وساهمت الطائفية في تعميق ظاهرة الانتقائية في المواقف. فما دام ضحايا العنف والتطرف والإرهاب محصورين باتباع دين او مذهب او عرق آخر لم يشعر العلماء او المفكرون بضرورة التصدي له. 

ثالثها: تداعي البعد الاخلاقي وتلاشي دوره في الحياة العامة، وغياب سمات «العالمية» و»الشمولية» و«الثبات» التي يفترض ان تشكل محور التفكير الإسلامي والفقهي. فاصبحت قيم «النسبية» و«الظرفية» و«المصلحة» مبررا للتخلي عن الموقف المبدئي، الامر الذي يتنافى مع طبيعة التشريع الإسلامي الذي يؤكده رسول الله بقوله «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة». إنه استسلام لثقافة ما بعد الحداثة التي هيمنت على الغرب في العقود الاخيرة، واصبحت توجه سياساته.

رابعها: ترجيح موروثات الثقافة الصحراوية المؤسسة على «الانتقام» و«الثأر» و«الاستئصال» على حساب قيم الشريعة ومنطق العدل وثقافة العفو والتعايش والاحترام المتبادل. وكان المرحوم الشيخ محمد الغزالي من أوائل الذين وقفوا ضد ما اسماه «فقه البداوة».

خامسها: غياب الوعي عن طبقة واسعة من نشطاء الحقبة السابقة للثورات، الامر الذي دفع الكثيرين منها اما لمسايرة مشروع قوى الثورة المضادة او السكوت على اطروحاتها، برغم ان تلك الطروحات انطلقت بهدف واضح: ضرب الثورات العربية ومنع التغيير والحفاظ على الوضع الراهن وتهميش قضية فلسطين التي كانت مصدر الوعي والالهام لاجيال متعاقبة ونبعا ثوريا تجاوز في حدوده الجغرافية منطقة الشرق الاوسط.

وهنا يمكن طرح سؤال مهم: من المسؤول عما جرى للطيار الأردني الأسبوع الماضي؟ من اين جاء هذا العنف والسادية والافراط في الانتقام؟ وهل انطلق مرتكبو الجريمة من أهوائهم وغرائزهم فحسب أم أن لهم منظورا دينيا مؤسسا على تراث مشترك مع بقية المسلمين؟

هنا يصبح التطرق للاجابة على هذا السؤال شائكا.

ففي عالم ما يزال يتحسس من البحث العلمي والنقد الذاتي يصعب التوصل لنتائج واقعية سواء لعوامل النجاح ام اسباب الفشل. ومن هنا شعر الكثيرون بالصدمة حين برر الداعشيون جريمتهم بفتاوى لبعض العلماء المعتبرين لدى جمهور المسلمين، كالامام ابن تيمية.

ليس المهم هنا ما اذا كان استنادهم للفتوى المزعومة صحيحا أم خاطئا، بل المهم ان يكون هناك استيعاب لحقائق عديدة:

أولها أن لدى المسلمين تراثا ثقافيا وفقهيا وتاريخيا هائلا ربما لم يتوفر لغيرهم من اتباع الديانات الأخرى، وذلك يعود لطبيعة الإسلام وما فرضه على اتباعه من اهتمام بالعلم، والحيوية التي اضفاها على المجتمعات التي دخلها.

ثانيها: ان هذا الكم المعرفي الهائل اختلط فيه الغث بالسمين، وذلك يتطلب تمحيصا دقيقا واستعدادا لرفض ما هو من الموضوعات والدسائس والافتراءات.

ثالثها: اعادة الحيوية للعقل كمصدر للعقيدة اولا والتشريع ثانيا والتمحيص المنطقي ثالثا، وتفعيل دوره في حياة المسلمين. وهنا قد يحدث تصادم بين من يدعو للعقلنة ومن يصر على اعتبار السلف أحد مصادر التشريع، فيمنع المساس به ويرفض علم «الجرح والتعديل» وما ارتبط بعلم الرجال في الفقه الإسلامي، كوسائل للتعرف على السنة النبوية الصحيحة.

فقد انطلق فقهاء المسلمين، على تعدد انتماءاتهم، في ما طرحوه بهدف توثيق سنة رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام. كان لدى هؤلاء ايمان بان تلك السنة مقدسة وتحتل المرتبة الثانية من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم.

هذا يعني إزالة القداسة المطلقة عن أمور عديدة:

أولها التاريخ الذي تكتبه عادة الاطراف القوية خصوصا ذوي السلطان.

ثانيها: الاستمرار في الالتزام بمستلزمات علم الرجال ومبادىء الجرح والتعديل لفحص الحديث النبوي الشريف وإزالة ما علق به من اجتهادات شخصية أو وضع أو افتراء. فما أكثر «الإسرائيليات» الموضوعة ضمن السنة الشريفة من قبل الوضاعين والمفترين بهدف تشويه الإسلام وحرف مساره.

ثالثها: اعادة الاعتبار للعقل في عملية التحقيق المطلوبة. وقد يقتضي ذلك الفصل بين الاجتهاد والفتوى من جهة وعلم الحديث وما يتطلبه من تنقية وتحقيق من جهة اخرى. كما تقتضي الامانة العلمية والدينية اعادة قراءة النص التاريخي بلغة العصر مع الحفاظ على روح الشرع ومقاصد الشريعة، وعدم المساس بمبدأ «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة».

ليس الهدف هنا طرح مشروع جديد للفقه الإسلامي، أو محاولة لترجيح مدرسة فقهية على اخرى، أو النيل من مناهج الفقه والاجتهاد أو التقليل من كتب التاريخ والحديث، فبدونها لا يمكن التعرف على الدين بشكل موثق.

فعلى اقل تقدير، يمثل ذلك الموروث الديني نقطة انطلاق لإعادة صياغة ذلك الموروث بدون شوائب ما أمكن. انها دعوة لإحياء روح الاجتهاد وإعادة العقل لدوره في تسهيل مهمة التشريع والفتيا، بعيدا عن التعصب الديني أو المذهبي أو الانتماء لهذه المدرسة أو تلك.

ولكي يمكن تحرير العقل المسلم من تراكمات تاريخية أدت لابتعاد تدريجي عن روح النص الديني وخلقت تقديسا غير مبرر لأمور كثيرة، فمن الضرورة بمكان أن يعاد قراءة ما طرحه مرتكبو جريمة حرق الطيار الأردني، معاذ الكساسبة التي هزت ضمائر البشر. فالتحدي الذي تمثله داعش ليس سياسيا أو أمنيا فحسب، بل إن له ابعادا دينية وأخلاقية هي الأساس في تجنيد شباب الأمة لممارسة اعمال العنف والقتل الجماعي.

مطلوب اعادة نقد المواقف والسياسات ذات الصلة بامور عديدة:

أولها قضية فلسطين واعادة التوافق العربي والإسلامي والانساني لاعادتها إلى محور الاهتمام.

ثانيها: مشروع التغيير الديمقراطي في المنطقة ودور مناوئي ذلك المشروع في تأسيس المشروع الداعشي وتمويله وترويجه،

ثالثها: الموروث الديني والثقافي ودوره في تمكين قوى الثورة المضادة من تجنيد قطاعات شبابية واسعة واستدراجها لمشروع يهدف لاعادة توجيه الدفة بعيدا عن مبادىء تحرير الارض وحرية البشر.

رابعها: اعادة تفعيل دور المؤسسة الدينية بما يتيح لها ملء الفراغ العقيدي والفكري الذي ساهم في تعميق اليأس في اوساط الشباب وتسهيل استدراجهم نحو التطرف والعنف.

إن من السذاجة بمكان الاعتقاد بإمكان احتواء الظاهرة المذكورة بالعنف المضاد الذي تمارسه الاجهزة العسكرية والأمنية، بل ان تجربة الاعوام الاخيرة وتجربة ما سمي «الحرب ضد الإرهاب» التي استمرت اثني عشر عاما، تؤكدان ان تلك السياسة ساهمت في توسيع دائرة العنف والتطرف والإرهاب ولم تقض عليها.

من هنا اصبح مطلوبا قراءة ما طرحه الداعشيون من تبريرات فقهية وتاريخية لتبرير ما فعلوه، بموازاة أساليب التصدي العسكري والأمني ضدهم.

في سبيل تحقيق ذلك تجدر الإشارة إلى أسلوبين للتعاطي مع الموروث التاريخي والفقهي:

الأول ما فعله الداعشيون باسقاط الحوادث التاريخية التي طرحوها على الواقع الراهن.

والثاني الانطلاق من الواقع الراهن لإعادة توجيه الوقائع التاريخية لكي تتماهى مع هذا الواقع. وكلا التوجهان لا يحقق غرض المراجعة المطلوبة.

إن تقديس التاريخ والغاء العقل والتشبث بالعصبية للقبيلة او المدرسة الفقهية، وقبل ذلك وبعده، استعداد البعض للتنازل عن انسانيته التي انيطت بها كرامته، من أهم معوقات مشاريع الاصلاح السياسي خصوصا في ضوء التجاذب بين الدين والسياسة، كما هو الواقع اليوم.

 

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحفي بحريني يقيم في لندن

 

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

التطرف الإرهاب عصبية القبيلة المذهب الدين السياسة

عن التراث والعنف .. هل نحرقه لكي ترضوا؟!

مراجعة التراث .. بيدي لا بيد عمرو!