ورطة الدولار القوي

السبت 14 فبراير 2015 07:02 ص

يبدو أن تاريخ الأزمات الاقتصادية العالمية يعيد نفسه. نحن نعيش ظروفا أشبه بالظروف التي سبقت الركود العظيم عام 1929. فاقتصادات العالم الكبرى تتسابق في خفض قيم عملاتها وتبني سياسات حمائية ليس نكاية ببعضها بعضاً بل لضرورة إنعاش اقتصاداتها.

لكن تحت الرماد ما تحته مما نجهل. فالدولار الأمريكي يزداد قوة وتتباطأ معه حركة الصادرات. والكلام نفسه ينطبق على التوقعات المتزايدة فيما يتعلق بنزوح الاستثمارات إلى الولايات المتحدة وهو ما لا يحدث في الواقع. ومعظم منافسي واشنطن يتسابقون في برامج التيسير الكمي وخفض معدلات أسعار الفائدة ويتابعون تراجع قيمة عملاتهم أمام الدولار. وفي حال استمر هذه التوجه وهو لا شك مستمر، فسوف يرد الأمريكيون لأن الدولار القوي ليس نزوة ولا نزهة.

لكن حتى الآن لا يلوح في الأفق ما يدل على أن هذا الاتجاه سوف يتغير. والفجوة بين الاقتصاد الأمريكي القوي على حد زعم جانيت يلين، والعديد من اقتصادات العالم كبيرة جداً. وكذلك هو حال التحول في قيم العملات. وقد بلغ العائد على سندات الخزانة الأمريكية فئة السنوات العشر أدنى مستوى له عند 7.1% مع ذلك يبقى مغرياً مقارنة مع نظيرتها الألمانية عند3.0%، أو اليابانية 25.0%. ولهذا سوف يستمر المستثمرون في شراء الدولار.

وسوف تتجلى تلك الفوارق بشكل صارخ عندما يتخذ الاحتياطي الفيدرالي أول خطوة على طريق رفع أسعار الفائدة. وفي الوقت نفسه يستمر الآخرون في خفضها. وقد لا يستغرق اليورو وقتاً طويلاً حتى يصبح معادلاً للدولار.

إلا أن هذه التخفيضات على العملات ليست من طراز ما جرى زمن الركود العظيم. فالأوروبيون وغيرهم يسرعون خطوات التيسير الكمي لتحفيز الاقتصاد وليس لمواجهة الدولار، لكن النتيجة واحدة.

والمخاطر المترتبة على هذا التسابق سيف ذو حدين. فهي من ناحية تضعف الحد الأدنى لأرباح الشركات لأن أكثر من نصف عائدات الشركات الأمريكية المدرجة على مؤشر "إس أند بي 500" تأتي من أنشطتها الخارجية. وكلما ازداد الدولار قوة كلما تناقصت أرباحها.

وقد أعلنت العديد من الشركات عن تراجع أرباحها في الربع الأخير من عام 2014 بسبب ارتفاع الدولار. ولعل هذا ما يفسر تراجع أسواق الأسهم الأمريكية بنسبة 5% خلال يناير/كانون الثاني الماضي.

ومن جهة ثانية، يتطور هذا الخلل إلى مواقف سياسية جديدة. فقد ضغط الجمهوريون والديمقراطيون الأسبوع الماضي على كبير المفاوضين الأمريكيين في مفاوضات التجارة الحرة مع دول آسيا "مايك فرومان" لإضافة مادة جديدة في الاتفاقية تعالج موضوع التلاعب بالعملات خاصة مع اليابان. ورغم أن الصين ليست جزءاً من تلك الاتفاقية لكنها هي المستهدفة. وقد أعاد فرومان السؤال إلى وزير الخزانة "جاك ليو" الذي أصر على أن الدولار القوي مصلحة أمريكية.

لكن مع توقف الصادرات والفشل في استعادة الوظائف في القطاع الصناعي إلى موطنها الأمريكي يبدو أن الجدل مرشح للتفاقم. وقد أكد تقرير أعده "لورانس سامرز" وزير الخزانة الأمريكي السابق بالاشتراك مع "إيد بولز" وزير المالية البريطاني في حكومة الظل، ضرورة رفع مستوى معيشة الطبقة الوسطى وإحياء دورها الريادي في الاقتصاد. وهذا التقرير معد أساساً لخدمة حملة "هيلاري كلينتون" للانتخابات الرئاسية. وقد أوصى التقرير بضرورة أن تتضمن كافة اتفاقيات التجارة بنوداً لمعالجة التلاعب بمعدلات صرف العملات.

فما هو مصير الدولار القوي في نهاية المطاف؟ من جهة سوف يعطي يلين مزيداً من الوقت للمماطلة في رفع أسعار الفائدة. فهناك مؤشرات ولو محدودة على تحسن مستويات الأجور، كما أن معدلات التضخم لم تعد مرتفعة. وكلما ارتفعت قيمة الدولار تدنت قيمة الواردات، وللنفط دور مساعد أيضاً.

وبالمعايير الأوروبية تعتبر الولايات المتحدة غارقة في أزمة الطبقة الوسطى. والعنصر السلبي في ازدهار اقتصادها هو أنه قائم على الاستهلاك المحلي وليس على تدفق الاستثمارات الخارجية وهذا ما كشف عنه تقرير النمو في الناتج الإجمالي للربع الأخير من عام 2014.

وبما أن ارتفاع معدلات الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي مرتبط بالقروض أكثر من ارتباطه بتحسن معيشة الطبقة الوسطى فهو هش ويبقى عرضة للانتكاس ضمن دورة أسعار الفائدة. ولا يزال الكثير من الأمريكيين قلقين حول انتعاش اقتصاد بلادهم. والمثير للاستغراب أن معدلات العائد على سندات الرهن العقاري لأجل 30 عاما هي دون 3% ومع ذلك يشتري القليل من الناس بيوتاً وهذا القليل سوف يتناقص لمجرد إن يتحرك الاحتياطي الفيدرالي لرفع الفائدة.

وقد يكون "ليو" على حق عند قوله أن الدولار القوي مصلحة أمريكية، لكن قد يكون هذا نوعاً من التفكير الرغائبي أيضاً.

المصدر | إدوارد لوس | حماالخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية

ورطة الدولار القوي تاريخ الأزمات الاقتصادية العالمية ظروف الركود العظيم 1929 اقتصادات العالم الكبرى خفض قيم العملات سياسات حمائية إنعاش الاقتصاد

المركزي المصري يفرض حدا أقصى لإيداع الدولار في البنوك في محاولة لضرب تجار العملة

إيران تلغي الدولار الأمريكي من مبادلاتها التجارية الخارجية

«التعاون الخليجي» يوصي بفك ارتباط العملات الخليجية بالدولار

عودة صعود الدولار باعتباره عملة الارتكاز الدولية

صعود الدولار وتراجع عملات الاقتصادات النفطية لمستويات متدنية جديدة جراء قرار أوبك