هل يمكن قيام مصالحة بين «السيسي» و«الإخوان»؟

السبت 14 يوليو 2018 12:07 م

قام «عبدالفتاح السيسي» رئيس مصر، بسجن معظم خصومه، وفاز بفترة رئاسية جديدة في انتخابات زائفة، لكن «السيسي» لا يزال يشعر بعدم الأمان السياسي، مما قد يجبره على التواصل مع جماعة «الإخوان المسلمون».

وقد سارع «الإخوان المسلمون» إلى نفي التقارير التي ظهرت في فبراير/شباط، التي أفادت بأن بعض زعمائها في السجون كانوا قد أجروا محادثات مع «السيسي» حول مصالحة محتملة.

وكان «السيسي»، القائد العسكري السابق، قد أطاح بالحكومة المنتخبة للرئيس المنتمي للجماعة «محمد مرسي» قبل 5 أعوام، وأطلق حملة قمع وحشية ضد الموالين له، وسجن عشرات الآلاف منهم.

وقالت الجماعة في بيان لها: «لم تكن هناك مفاوضات مع النظام العسكري الفاشي»، لكنهم في نفس الوقت لم يستبعدوا إمكانية إجراء مثل هذه المفاوضات في المستقبل، مع التأكيد على «مرسي» كمحاور نهائي في المحادثات المستقبلية.

وقال البيان: «... سيكون محمد مرسي مسؤولا عن أي اتصالات أو مفاوضات من أي نوع ...».

وأصبح من الواضح أن الجانبين عقدا اتصالات في وقت ما خلال العام الماضي، ومع ذلك، لم تنجح المفاوضات لأن «السيسي» كان يحاول تجاوز «مرسي»، وهو أمر غير مقبول لمؤيدي «مرسي» المخلصين له في جماعة «الإخوان المسلمون».

وقال «حمزة زوبع»، الناطق السابق باسم حزب الحرية والعدالة، وهو الجناح السياسي لـ«الإخوان المسلمون»: «أرسل السيسي مبعوثين إلى السجن للتحدث إلى بعض قادة الإخوان المسلمون، وكان أحد المبعوثين جنرالا مصريا سابقا، لكن لا يمكننا تسميته».

وأراد النظام في مصر استخلاص التزام من القادة بمنح حكومة «السيسي» نوعا من الاعتراف، لكن قيادة الجماعة أجمعت، بحسب قول «زوبع» عل رد واحد: «اذهب للحديث مع الرئيس مرسي».

ومن وراء القضبان، أصر «مرسي» باستمرار على أنه لا يزال الزعيم المنتخب ديمقراطيا في البلاد، ورفض الاعتراف بحكومة «السيسي» التي يواصل أتباع «مرسي» مقاومتها بالرغم من مواجهة التهديدات.

ومن ناحية أخرى، عزز «السيسي» قبضته على البلاد، خاصة بعد فوزه في انتخابات رئاسية مثيرة للجدل في وقت سابق من هذا العام، مما يجعل أي شخص يشكك في ما إذا كان بإمكان الثنائي السياسي الدخول في تفاوض.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يقترب فيها نظام ديكتاتوري في مصر من جماعة «الإخوان المسلمون» المحاصرة لإضفاء الشرعية على حكمه على البلاد.

ولقد سعى قادة مصر الأوتوقراطيون، منذ «جمال عبدالناصر» و«أنور السادات» وحتى «حسني مبارك»، إلى المصالحة مع الجماعة في وقت أو آخر كوسيلة للتحوط ضد الاضطرابات الاجتماعية المتنامية.

ويقول «محمد بولوفالي»، وهو محلل سياسي عراقي، كان منذ فترة طويلة عضوا في الفرع العراقي للجماعة: «هناك دلائل على استمرار المحادثات بين الحكومة والإخوان».

وبحسب «زوبع»، يحاول «السيسي» استخدام السجناء السياسيين كورقة مساومة للحصول على أقصى قدر من التنازلات.

وفي وقت سابق، زار أحد رجال الأعمال الأقوياء في مصر، والذي يملك قناة تلفزيونية مصرية، المرشد السابق للجماعة، الراحل «محمد مهدي عاكف»، في مستشفى السجن، بحسب «زوبع».

وقال «زوبع» إنهما «ناقشا إمكانية وجود نوع من المصالحة».

إثارة الانقسامات

وأدى الانقلاب بقيادة «السيسي» إلى مقتل أكثر من 1150 شخصا، معظمهم من أنصار الإخوان.

وتُعرف الآن عمليات القتل التي وقعت في 14 أغسطس/آب 2013 باسم «مذبحة رابعة». كما قام النظام بسجن عشرات الآلاف من الناس، معظمهم من أنصار «الإخوان المسلمون»، وقمع أي معارضة باستخدام إجراءات متطرفة.

ويقول خبراء إنه من خلال إرسال مبعوثيه إلى قيادة «الإخوان المسلمون»، ربما يسعى «السيسي» أيضا إلى استغلال الخلافات الداخلية داخل الجماعة.

وقال «إسماعيل يايلاشي»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة «إسطنبول شهير»، الذي يدرس الحركات السياسية الإسلامية في العالم الإسلامي: «في حين تعد جماعة الإخوان المسلمون جماعة منضبطة، فقد احتوت دائما على فصائل تختلف في قضايا السياسة العامة، وبعض هذه الفصائل كانت نشطة حتى بعد انقلاب 3 يوليو/تموز الذي أطاح بمرسي».

ويقول أحد هذه الفصائل إنه كان من الخطأ للجماعة أن تشارك في السياسة، وقالوا: «لنكن مجتمعا يدعو الناس، الذين ليس لهم أي علاقة بالسياسة، إلى طريق الله»، ويقود هؤلاء مجموعة من الأعضاء القدامى الذين أمضوا وقتا مع سيد قطب في السجون في الستينات».

وكان «قطب» واحدا من أكثر المفكرين تأثيرا في الإسلام السياسي، وقياديا بارزا في جماعة «الإخوان المسلمون» في الخمسينيات والستينيات قبل أن يعدمه «عبدالناصر»، الذي تعاون مع الجماعة في مسيرته السياسية المبكرة.

لكن «يايلاشي» يقول إن هناك فصيلا آخر يهيمن عليه جيل الشباب يصر على أن الجماعة يجب أن تظل منخرطة في السياسة الديمقراطية.

وهناك أيضا بين الشباب من يدافع عن حمل السلاح ضد وحشية النظام، كما قال «يايلاشي».

ومن المرجح أيضا أن يميل نظام «السيسي» إلى التفاوض مع فصيل من «الإخوان المسلمون» يريد الابتعاد عن السياسة وعدم طرح أي تحد للوضع الراهن.

ومن خلال المفاوضات وتطبيق قواعد اللعبة التي استخدمها أسلافه الأوتوقراطيين، قد يلعب «السيسي» مع فريق ضد آخر.

ويقول الخبراء إن التوصل إلى حل وسط مع الدولة المصرية قد يكون له أثر معنوي على القاعدة الاجتماعية للإخوان، وقد يؤدي كذلك إلى تعميق الانقسامات.

ماذا ستفعل الجماعة؟

وينتقد «بولوفالي»، وهو عضو كردي في جماعة الإخوان العراقيين، قيادة الجماعة التي انقسمت إلى فصيلين، ويقول إنه ينبغي على جماعة الإخوان أن تتبنى أجندة سياسية كاملة مماثلة لحزب العدالة والتنمية التركي، الذي فاز في انتخابات متتالية منذ عام 2002.

وأضاف: «لا تستطيع جماعة مثل الإخوان المسلمون الدفاع عن رأيين متعارضين في نفس الوقت. فإما أنك ستدعو إلى جدول أعمال سياسي كامل، أو الانسحاب من الساحة السياسية بالكامل، هذا ما يجب أن يحدث».

ويقول «بولوفالي»: «إذا أرادت الجماعة أن تصل إلى السلطة، أو على الأقل أن تكون ذات صلة بالسياسة، فإنها بحاجة إلى إصلاح مشاكل الناس العاديين، فالجماهير تهتم أكثر بالاقتصاد والسياسات الاجتماعية أكثر من المعاناة الأيديولوجية».

وأضاف: «إذا لم يكن لديك قيادة موحدة، فسوف يكون من السهل تقسيم الجماعة والتلاعب بها».

كما ينادي «زوبع» بأن الأحزاب السياسية يجب ألا تعتمد على مجتمع معين، سواء كانت منظمة مثل جماعة «الإخوان المسلمون» أو مؤسسة دينية مثل الكنيسة القبطية.

وفي العام الماضي، في مقابلة مع «تي آر تي وورلد»، عجز «طلعت فهمي»، المتحدث باسم جماعة الإخوان، عن مناقشة موقف الجماعة الحالي من النظام المصري، وكان أكثر حرصا على مناقشة أيديولوجية الجماعة.

لكن عندما حاورناه في هذا المقال، بدا «فهمي» أكثر ميلا للمصالحة، على الرغم من إنكاره الشديد لأي محادثات جرت بين «السيسي» والجماعة.

وقال: «أعلنت الجماعة ذلك من قبل أنها مستعدة لحل يخرج البلاد من هذه الأزمة، لكنها أيضا تحترم الدستور المصري».

وقد تم إقرار الدستور العلماني الحالي للبلاد من قبل «السيسي» في أوائل عام 2014 بعد الانقلاب العسكري.

وقبل شهرين، صرح «يوسف ندا»، كبير الدبلوماسيين السابق في جماعة الإخوان، لوكالة «الأناضول» بأن الجماعة مستعدة لإجراء محادثات مع «السيسي».

وقال «ندا» الذي ينتمي أيضا إلى الجيل كبير السن في الجماعة: «نحن مستعدون ومنفتحون على التعامل مع أي شخص، ولا يعني هذا أنه يتعين علينا الاستسلام».

وقبل وقت طويل من تقارير المصالحة الأخيرة، أعطى «السيسي» مؤشرات على إمكانية المصالحة.

وقال «السيسي» في نوفمبر/تشرين الثاني 2015: «هذا البلد كبير بما يكفي لاستيعاب كل واحد منا، إنهم جزء من مصر، لذا يجب على الشعب المصري أن يقرر الدور الذي يمكن أن يلعبوه».

وفي مقابلة العام الماضي، أشار «فهمي» إلى وجود قاعدة هامة من الإخوان المسلمون فيما يتعلق بالسياسة المصرية، وقال: «الدولة أكثر أهمية من حزب أو جماعة».

لكنه شدد أيضا على أن القيادة السياسية للبلاد لا يمكنها تجاهل الواقع على مستوى البلاد بأن الجماعة السياسية الإسلامية، وهي أكبر قوة اجتماعية في البلاد، «متغلغلة» بقوة في المجتمع المصري.

وبينما يحدث هذا، يواجه «السيسي» اقتصادا يكافح وهجمات متواصلة من جانب المقاتلين في سيناء، والتي يقول بعض الخبراء إنها قد تفسر سبب اعتزام النظام على كسب جزء من الجماعة.

وتحت قيادة «السيسي»، يعاني المصريون من ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أسعار الغذاء، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب.

ولا تبلي مشاريع «السيسي» الضخمة سيئة السمعة بلاء حسنا أيضا. وفي عام 2015، أعلن «السيسي» عاصمة جديدة، كان من المفترض أن توفر مساكن للملايين، في وسط الصحراء الشرقية في مصر، لكن المشروع يتداعى، ويتخلف وراء الجدول الزمني المخطط له.

وقال «زوبع»: «كلما فشل السيسي أكثر، كلما حاول الإسراع في التفاهم مع الإخوان».

  كلمات مفتاحية

عبد الفتاح السيسي المصالحة بين السيسي والإخوان جماعة الإخوان المسليمن محمد مرسي

تفاصيل مبادرة "مرزوق" لحل أزمة مصر.. وهكذا رد النظام

"محسوب" يدعو لـ"غرفة حوار وطني" لإنقاذ مصر