إعادة تشكيل تحالفات المنطقة

الاثنين 16 مارس 2015 09:03 ص

عاشت منطقة «الشرق الأوسط» منذ الحرب الباردة اصطفافات كثيرة لعل آخرها ما تبدى في محورين أساسيين هما محور ما يعرف بـ«الممانعة» الذي تزعمته إيران، ومحور «الاعتدال» الذي تزعمته المملكة العربية السعودية، وبغض النظر عن جدليات التسمية إلا أن هناك دولا تنقلت في اصطفافاتها، مثل تركيا التي كان ينظر إليها سابقًأ على أنها تمثل مرآة الموقف الأمريكي حتى عام 2010، حين قررت الوقوف بقوة ضد إسرائيل، كما تبنت مواقف معارضة لواشنطن واسرائيل في عدة ميادين.

ومع مجئ الربيع العربي، شهدت المنطقة تقاربا كبيرا بين أنقرة والدوحة في دعم القوى الصاعدة في الدول التي شهدت الحراك الثوري، كما مثلت دول أخرى كالسعودية والإمارات الموقف المعاكس،. فيما وقفت إيران ضد الثورة في سوريا، ومع الموقف الاقليمي  من الحالة المصرية بدت أنقرة والدوحة كأنهما تمثلان محورا جديدا يمكن أن نسميه محور الربيع العربي

ومع التطورات والمستجدات  المتلاحقة بدت الأمور عالقة في المنطقة التي تبحث عن الاستقرار وبدت تظهر في الأفق ملامح أزمات قادمة لا يمكن أن تتوفر لها حلول ضمن الشروط والمعطيات القائمة، وبدا حتميًا حدوث تغيير في الاصطفافات من أجل تحريك الأوضاع في الاتجاه المطلوب، ومن أجل ضبط معادلات التوازن.

ومؤخرا منذ وصول الملك «سلمان بن عبد العزيز» إلى العرش في المملكة العربية  السعودية ومع التغييرات الداخلية التي قام بها توقع كثيرون أن هناك تغييرات محورية ستعتري السياسة الخارجية السعودية وإن استغرق ذلك وقتا، فتقلبات المحيط الإقليمي أصعب من أن تتم عبر تبني مقاربات سريعة وتحولية بشأنها دفعة واحدة.

من جهة أخرى كان هناك متفائلون وقلقون بشدة على مستقبل  المنطقة التي تعاني من التدهور السياسي والأمني وانتشار العنف، لذا فإن مقاربتهم تعتمد على وقف نزيف الدماء ومواجهة الأخطار الكبرى مما يستلزم مبادرات سريعة تنقذ ما يمكن إنقاذه، وهو ما يسلتزم تعاون إقليمي.

وبنظرة سريعة على المنطقة فإن هناك نظرة تبدو سطحية تسود قراءة المشهد وبخاصة من قبل الغربيين، ولا تركز إلا على «الدولة الإسلامية» التي تسيطر على أجزاء من سوريا والعراق، بينما تتعامى عن الاضطهاد والاستبداد السياسي وقمع المعارضة  في بلدان أخرى  والتي هي السبب الحقيقي لظهور «داعش» وما شابهها.

على المستوى الخارجي فيبدو تزايد نفوذ إيران مستفزًا، بعد أن صارت تسيطر فعليًا على أكثر من بلد عربي، وعلى لسان قادة فيها لا تخجل من إعلان تواجدها وسيطرتها على بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء إن لم يكن بشكل مباشر فهو بالوكالة، وترى إيران في كل قوى المنطقة عوائق أمام طموحاتها الامبراطورية.

يمكننا القول أن كل دول المنطقة لا تريد «الدولة الإسلامية»، ولكن إيران هي من يسد الفجوات حاليا ويملأ الفراغات وهي أيضا من يلعب على التناقضات والمصالح. وهذا الواقع أيضا له مسببات لعل أهمها هي السياسات الجامدة التي تم تبنيها من قبل دول المنطقة.

أفرز هذا الواقع عدة متضررين ولعل المتضرر المباشر من هذه الحال هي دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية، وكذلك تركيا التي تريد الاستقرار على جبهتها الجنوبية. لذا وجد كل منهما الآخر، وبالرغم من وجود خلاف بين الرياض وأنقرة تحديدا حول الموقف في مصر فإن هناك تقاطع تجاه المواقف ضمن المربع السني والسياسي في سوريا والعراق حيث توجد «الدولة الإسلامية» وتوجد أيضا إيران، لذا فإن الأمور تشير أن الدوحة وأنقرة المتفاهمتين أصلا تحاولان استمالة الرياض لمزيد من التفاهمات ابتداء بنقاط الالتقاء مقابل تسهيلات ومرونة في مناطق الخلاف. أما من زاوية أخرى فإن السعودية تبدو أنها هي من تستميل أنقرة والدوحة من أجل إطفاء الحرائق المتزايدة في المنطقة.

إن التقاء قوتين إقليميتين كتركيا والسعودية في محور تنسيقي واحد من شأنه أن يرجح الكفة إليهما إذا ما نجحا في جمع التأييد من بقية دول المنطقة، ونجحا في إقفال بعض الأزمات، لكن الدولتين ومعهما قطر لا يزالون يعملون ضمن الإطار الديبلوماسي، وربما يشهد الوضع في سوريا تطورات عسكرية تدريجية لكن التعاون والتدخل العسكري المشترك بينهما محكوم بتعقيدات كبيرة.

العلاقة بين العواصم الثلاث تشهد تنسيقا متزايدا وتطورا ملحوظا لكن ما زال من المبكر الحديث عن محور تحالف بل هو تقاطع للمصالح نتيجة استشعار المخاطر المشتركة في أماكن قريبة تمس الجميع، ولكن الالتقاء المتواصل والتوافق يجعل الباب مفتوحا أمام تطور العلاقات كما أن العوامل الخارجية والتطورات من داخل اصطفافات دول وجماعات  المنطقة سيكون لها دور في  التأثير السلبي على مستويات التنسيق المرجوة.

ويمكننا أن نستشهد بما سبق عن المحاولات المصرية والأردنية تحديدا للتقارب من طهران، وكذلك تطور علاقات القاهرة بموسكو واستقبال «بوتين» بحفاوة في القاهرة، وهي ربما رسائل مصبوغة بالإحساس بسيولة المحاور والأحلاف. وهذا ما فعلته أبضا السعودية مع روسيا عندما بدأت تشعر بتفلت علاقاتها مع واشنطن التي لم توجه ضربة لنظام «الأسد» بل على العكس ها هي تتجه نحو إيران وهو ما قد يكون التغير الأخطر والأكبر في العلاقات الدولية وليس الإقليمية فحسب.

كما أن التراجع أو عدم وجود رغبة أمريكية بالتدخل في فوضى المنطقة يوحي لحلفائها القدامي بأنها تريد لخصومهم التقدم مما يغريهم بالبحث عن شراكات وعلاقات جديدة وبالتالي فإن المتضررين من هذه العلاقات من الدول الأقل تأثيرا ستحاول هي الأخرى اختيار المعسكر الأقوى  والأضمن للمستقبل من وجهة نظرها.

 

  كلمات مفتاحية

نركيا السعودية قطر مصر الدولة الإسلامية إيران

السعودية تقبل بعلاقات مصرية ”فاترة“ في سبيل تحالفها مع تركيا ضد إيران و«الأسد»

أمير قطر يلتقي «أردوغان» في زيارة مفاجئة بالعاصمة التركية أنقرة

ما هي توقعات بناء محور أمني يضم الرياض - القاهرة - أنقرة؟

«أردوغان» يصل العاصمة الرياض ويجري مباحثات مع الملك «سلمان»

«النفيسي»: الخليج بحاجة لحليف قوي مثل تركيا .. ومصر «السيسي» حليف ”غير مجد“