التنمية العربية على المحك

الأحد 19 يوليو 2015 06:07 ص

هل يمكن أن تتحقق التنمية في البلدان العربية بعد كل هذه الإخفاقات السياسية والاقتصادية على مدى السنوات والعقود الطويلة الماضية؟ ما من مستحيلات في الحياة السياسية والاقتصادية إذا ملك البشر إرادة لإنجاز الأهداف التي يصبون إليها. ومعلوم أن المشهد الراهن في الحياة السياسية والأوضاع الأمنية وتراجع الإمكانات الاقتصادية في المنطقة قد لا يدعو إلى التفاؤل بمستقبل زاهر، لكن كثيراً من البلدان مرت بظروف قد تكون أشد قسوة مما نشهده الآن في العالم العربي إلا أنها نهضت من تحت الركام وعملت كل ما تستطيع لتصل إلى مراتب متقدمة في التنمية والارتقاء بأحوالها إلى مراتب متقدمة في قائمة بلدان العالم.

يتطلب الأمر إقامة أنظمة سياسية مستقرة ومتوافق عليها مجتمعياً تحكم البلاد والعباد بموجب مفاهيم عصرية مثل المشاركة السياسية والديموقراطية البرلمانية والتعدد الثقافي والفكري. أما النظام الاقتصادي فلا بد أن يكون متوافقاً مع مفاهيم الاقتصاد الحر وإطلاق يد القطاع الخاص للعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية من دون قيود إلا ما تتطلبه حماية حقوق العاملين والمستهلكين والأموال العامة. وعمل العديد من الأنظمة العربية على مدى العقود الماضية لتحميل الدولة المسؤوليات الاقتصادية وتمكين الدولة من الهيمنة على ملكية مختلف المنشآت في غالبية القطاعات الاقتصادية الحيوية، وتحملت الحكومات أعباء تشغيل معظم المتدفقين إلى سوق العمل.

هذه الفلسفة الاقتصادية لم تؤد إلى تحسين ظروف المعيشة للسكان أو رفع مستويات الإنتاجية أو تعزيز معدلات التنمية الاقتصادية. فما حدث هو تثبيط القطاع الخاص ودفع رجال الأعمال إلى تهريب الأموال إلى الخارج والبحث عن فرص عمل خارج حدود أوطانهم. وتأكد للحكومات والأنظمة السياسية، منذ سبعينات القرن الماضي، أن الدولة لا يمكن أن تكون بديلاً لرجال الأعمال، كما أن البيروقراطية ساهمت في تخريب الحياة الاقتصادية وتعطيل العديد من المشاريع والبرامج الحيوية. يضاف إلى ذلك أن التشغيل في القطاع العام أو الدوائر الحكومية أدى إلى رفع من مستويات البطالة المقنعة. وهذه الأوضاع لم تحفز على تحسين أوضاع التعليم والابتكار بما كرس التخلف وعدم الحيوية في مختلف الاقتصادات العربية.

واعتمد الاقتصاد العربي على الموارد الطبيعية لتوفير التمويل للإنفاق الجاري والرأسمالي. وكان النفط، ولا يزال، المصدر الرئيس للإيرادات المالية في العديد من البلدان العربية. كما أن البلدان العربية، التي لا تعد من البلدان الأساسية المصدرة للنفط، اعتمدت على مساعدات البلدان المنتجة للنفط أو تحويلات العاملين في البلدان النفطية. وأصبح النفط عنصراً أساسياً في الاقتصاد العربي لا يمكن التحرر من تأثيراته حتى مدى زمني غير قصير. وكان يفترض أن تتحول إيرادات النفط إلى أداة لتكوين الثروة وخلق نشاطات اقتصادية أخرى تعضد من قدرات الاقتصادات العربية.

لكن البلدان المنتجة للنفط وظفت الأموال المتأتية من إيرادات النفط في أدوات الإنفاق الجاري، وإلى حد ما في الإنفاق الرأسمالي خصوصاً في البنية التحتية والمرافق وخدمات الرعاية الصحية والتعليم. وفيما أسست هذه البلدان، خصوصاً بلدان الخليج، صناديق ثروة وعملت على توظيف الأموال في أدوات استثمار متنوعة في العديد من بلدان العالم، عزز النفط دور الدولة ومكنها من السيطرة على مختلف النشاطات الاقتصادية مقابل تهميش دور القطاع الخاص الذي لم تتح له الظروف الإدارية والمؤسسية لتوظيف الأموال في نشاطات مناسبة يمكن له فيها أن يقدم آليات إدارية أفضل لتحسين الكفاءة والسيطرة على التكاليف.

واليوم يواجه العرب تحديات أساسية تجاه عملية التنمية. يقدر عدد سكان البلدان العربية بأكثر من 370 مليون شخص يتوزعون على بلدان مكتظة بالسكان، مثل مصر والتي يقارب عدد سكانها 90 مليون شخــــص، وبلـــدان منخفضة السكــان مثل بلدان الخليج العربي. أما الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية فهو 2.8 تريليون دولار ويمثل 3.7% من الناتج الإجمالي العالمي. أما معدل دخل الفرد في العالم العربي فيقدر بـ 7.665 دولار سنوياً.

لكن هناك تفاوتاً بين بلدان وأخرى. تحظى البلدان الخليجية النفطية بنسبة تزيد على 60% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية، ويفوق دخل الفرد في بعض هذه البلدان 50 ألف دولار سنوياً. هذه البيانات الكمية قد لا تعني أمراً مهماً لأن الدول العربية، الفقيرة منها والغنية، لا تزال تعاني تأخراً في التنمية البشرية ولا تتوافر فيها كوادر بشرية متميزة في مجالات مهنية عديدة. ويعني ذلك أن التنمية المنشودة يجب أن تتركز على الارتقاء بالنظام التعليمي وتحسين القدرة على استيعاب التحولات التقنية الحديثة.

وثمة أهمية لتطويع الثقافة المجتمعية ليصبح كل مواطن مسؤولاً ويتحول إلى مساهم أساسي في العمل والإنتاج ومن ثم في عملية التنمية، وليس فقط متلقياً للدعم من الدولة. وعلى الدول العربية، في هذه المرحلة التاريخية، أن تعمل للاستثمار في التعليم من دون إهمال الرعاية الصحية من أجل الارتقاء بمخرجات التعليم، وبذلك تتمكن خلال أجل معلوم من إرساء أسس التنمية المستدامة وبناء اقتصاد المعرفة.

  كلمات مفتاحية

العرب تحديات أساسية عملية التنمية الدول العربية اقتصاد استثمار التنمية

تقرير اقتصادي: دول الخليج تتجه إلى الاستثمار الصناعي

الاقتصاد العربي وتحديات الأمن

بعثة دبلوماسية تضم 16 سفيرا عربيا تزور البرازيل لزيادة الاستثمارات التجارية

التنمية وعقباتها في الكويت

الفكر الإصلاحي العربي في مواجهة التنمية العصيّة