هل تتحول ليبيا إلى ساحة للصراع بين تركيا وروسيا؟

الثلاثاء 17 ديسمبر 2019 05:18 م

ناقش الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ونظيره التركي "رجب طيب أردوغان" الوضع في سوريا وليبيا في مكالمة هاتفية في 11 ديسمبر/ كانون الأول. وكانت المكالمة تهدف لمعالجة الخلافات الناشئة بين الدولتين بشأن ليبيا حيث كان "أردوغان" أعلن قبل أيام قليلة استعداده لإرسال جنود إلى طرابلس.

وسبق أن انتقد "أردوغان" علنا قيام شركة الأمن الروسية "فاجنر" بتوريد جنود مرتزقة للقتال في صفوف الجيش الوطني الليبي بقيادة "خليفة حفتر" الذي يقاتل ضد حكومة الوفاق الوطني، الحكومة المعترف بها دوليا التي تدعمها أنقرة في ليبيا.

وقال "أردوغان" إن أنقرة مستعدة لإرسال أفراد عسكريين إلى ليبيا حال طلبت حكومة الوفاق الوطني ذلك، وبعد توقيع اتفاقية أمنية بين الطرفين.

وقع "أردوغان" ورئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، "فائز السراج"، مذكرات تفاهم في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني بشأن الحدود البحرية والتعاون الأمني، مما أثار عدم ارتياح في موسكو. وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" أن المذكرات "قد تعطل الاستعدادات لعقد اجتماع دولي من أجل التسوية في ليبيا من المقرر عقده في برلين في وقت لاحق من هذا العام".

رهانات موسكو

ويشير موقف موسكو إلى أن دعم تركيا العسكري للحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها قد يفسد محاولات حلفاء "خليفة حفتر"، بما في ذلك روسيا، لتعزيز موقف "حفتر" قبل محادثات برلين.

على الرغم من إعلان موسكو أن تقف على مسافة واحدة بين جميع اللاعبين على الأرض في ليبيا، فإنها تسعى فعليا إلى دعم "حفتر" ومؤيديه في الحرب. ويتوقع الكرملين أن يكون لـ"حفتر" وأنصاره القول الفصل في ليبيا بعد الحرب. ومع ذلك، فإن الإسهام العسكري الأكبر لأنقرة في طرابلس يعقد هذا السيناريو، ولا يزال "حفتر" نفسه يفتقر إلى الشرعية الدولية بعد فشله في فرض تسوية عسكرية على النزاع الليبي.

في الوقت نفسه، تقوم موسكو بالتحوط من رهاناتها عن طريق الحفاظ على العلاقات مع طرابلس، وخاصة من خلال العقود التي وقعتها شركات النفط والغاز الروسية مع شركة النفط الوطنية الليبية في ديسمبر/ كانون الأول.

وتجري شركة "تاتنفت" الروسية عمليات التنقيب عن النفط في منطقة متنازع عليها في حوض غدامس، الذي يحد المناطق التي يسيطر عليها كل من الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق الوطني. ويعكس هذا العقد رغبة روسيا في الحفاظ على العلاقات مع كلا الطرفين المتحاربين، لأن العمليات التجارية تعد مستحيلة دون ضمانات أمنية من الجانبين. وستقوم شركة أخرى، وهي "وينترشال" التابعة لشركة غازبروم باستكشاف النفط في حوض سرت، الذي يخضع إلى حد كبير لسيطرة حكومة الوفاق.

رهانات أنقرة

بدورها، تنص تفاهمات "أردوغان - السراج"، خاصة تلك المتعلقة بالحدود البحرية، على شراكة طويلة الأمد بين أنقرة وطرابلس. وتعتمد الاتفاقيات، التي تمهد الطريق لتركيا لتأمين الغاز في البحر الأبيض المتوسط، على وجود حكومة الوفاق الوطني، أو حلفائها المخلصين، في السلطة. ولذا سوف تستمر أنقرة في الوقوف إلى جانب حكومة "السراج".

في ضوء ذلك، يجب علينا أن نأخذ تصريحات "أردوغان" حول إرسال قوات إلى ليبيا على محمل الجد. وقام الزعيم التركي بالفعل بالوفاء بالوعود السابقة لمساعدة "السراج"، وبعد فترة وجيزة من تعهد "أردوغان" في أواخر أبريل/ نيسان باستخدام جميع "قدرات بلاده لمنع التآمر ضد الشعب الليبي"، وصلت سفينة إلى طرابلس قادمة من ميناء سامسون التركي محملة بناقلات الجنود المدرعة من طراز "كيربي" وغيرها من المركبات العسكرية الموجهة لدعم القوات الموالية للسراج.

ولم تخف أنقرة قيامها بنقل هذه الأسلحة، التي تتحدى عقوبات الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه تقريبا، قدمت تركيا أيضا طائرة مقاتلة من طراز "بيرقدار" القتالية لصالح حكومة "السراج".

سمحت هذه المساعدات لحكومة الوفاق الوطني بالتصرف بقوة أكبر والاستيلاء على مدينة غريان، القاعدة الخلفية الرئيسية للجيش الموالي لـ"حفتر". والآن بعد توارد الأنباء عن وجود شركات عسكرية روسية خاصة تعمل في ليبيا لدعم "حفتر"، تسعى تركيا إلى زيادة مساعداتها الخاصة إلى طرابلس.

وعلى الرغم من أن وجود المرتزقة والعسكريين الروس في ليبيا ومساعدتهم لـ"حفتر" لا شك فيها، إلا أن دور هؤلاء المرتزقة في العمليات القريبة من طرابلس يبدو مبالغًا فيه للغاية.

وتشير بعض التقارير إلى أن وجود المرتزقة والمستشارين الروس قد حسّن بشكل ملموس أداء قناصة قوات "حفتر" وكذلك قوات المدفعية، ورغم ذلك يعتقد أن معظم المستشارين الروس بقوا في بنغازي إلى حد كبير ولم يشاركوا في الحملة ضد طرابلس، حيث اقتصر نشاطهم على تدريب المقاتلين الليبيين للعمل في المناطق الحضرية.

بدلاً من إرسال جيشها، يمكن أن تنشر تركيا شركاتها العسكرية الخاصة في ليبيا وعلى رأسها شركة "سادات". وكما تشير تصريحات وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، فإن العديد من المقاتلين التابعين لـ"سادات" تدفقوا بالفعل من سوريا إلى ليبيا.

ورغم أنه من غير المؤكد أن هذا الانتشار تم بأمر من الحكومة التركية، فمن المرجح أن تكون الحكومة هي الطرف الوحيد القادر على تسهيل مثل هذا الانتشار، وبالتالي فإن خطر الصدام المباشر بين المرتزقة الروس والأتراك، وربما الجيش التركي نفسه، يلوح في ليبيا.

وفي النهاية، يبقى هناك احتمال أن يدخل الملف الليبي ضمن التفاهمات واسعة النطاق بين روسيا وتركيا والتي تشكل أيضا إدلب وشمال شرق سوريا. وهذا هو السبب في أن المساعدات الروسية لـ"حفتر" يمكن اعتبارها وسيلة أخرى لممارسة الضغط على أنقرة.

ومع ذلك، فإن دعم موقف "حفتر" قبل انعقاد مؤتمر برلين يخدم مصالح موسكو إلى حد كبير. علاوة على ذلك، لا يمكن للمرء أن يتجاهل اتفاقيات روسيا المحتملة مع الإمارات والتي تشمل سوريا أيضا. على سبيل المثال، ربما تكون روسيا قد قررت تزويد "حفتر"، حليف الإمارات، بمزيد من المساعدات مقابل دعم الإمارات لاستعادة شرعية النظام السوري.

المصدر | كيريل سيمينوف - المونيتور / ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قوات حفتر ميليشيات حفتر اتفاق أردوغان-السراج

السراج يرد على حفتر: لا ساعة صفر ولا اقتحام لطرابلس

وزير خارجية إيطاليا يلتقي السراج وحفتر في ليبيا

رئيس الاتحاد الأفريقي: الوضع في ليبيا خطير

أزمة ليبيا.. الفراغ الأوروبي وراء تدخل روسي قد يعيد تجربة سوريا (تحليل)

تركيا: لا يمكن إغفال دورنا بالمنطقة ولن نقبل سياسة الأمر الواقع