تعيش أقطار الأمة العربية، خصوصاً سوريا والعراق وليبيا واليمن، مآسي الصراع والحروب الأهلية، بسبب جماعات التطرف والتعصب، مثل «داعش» وأخواته، والانقسام الطائفي، كما هي في العراق واليمن، ودكتاتورية واستبداد «بشار الأسد»، المدعوم من إيران وحزب الله، والآن دخول روسيا، بقضها وقضيضها.
هذه المآسي، على عظم خطورتها، ليس أقلها ارتفاع عدد القتلى والمهجَّرين، تبقى صراعات داخل الكيانات، التي قد تختلف وتتغيَّر التركيبات الاجتماعية فيها، لكنها لن تُمسح من الوجود، وهو ما يتعرَّض له الشعب الفلسطيني، الذي يواجه مخطط الاقتلاع، وفقاً لمخطط الكيان الصهيوني العنصري (إسرائيل).
حراك شبابية تلقائية
فحركة الاحتجاج التي يقوم بها شباب القدس، التي تُوصف بأنها أخطر من الانتفاضة، كما حدث في الانتفاضة الأولى عام 1987، والثانية عام 2000، فهي حركات شبابية فردية تلقائية، أبطالها شباب من دون قيادة، على خلاف الانتفاضات السابقة، التي كانت تقودها كيانات تنظيمية سياسية..
ولأنها حركة من دون قيادة، فإنه يصعب قمعها بالدبابات والأسلحة الثقيلة.
ووفق ما تقول جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، فأجهزة القمع لا تستطيع مواجهة امرأة، أم لثلاثة أطفال، وتحضّر لشهادة الماجستير، بدبابة، لكن السؤال: ما الذي يحرك هؤلاء الشباب ومعظمهم تحت سن الثلاثين، بل أغلبهم تحت العشرين، لا يزالون طلاباً في المراحل الدراسية؟!
ما الذي يدفع شابا يحمل سكين مطبخ، ليهاجم واحداً من سكان المستوطنات أو جندياً، وهو يعلم بأنه سيواجه حتفه، بسبب الإفراط في استخدام القوة ورصاص الجنود وأفراد الأمن الإسرائيلي؟
يـأس وقهــر
التقارير معظمها تقول، بما فيها الصحف الإسرائيلية، إن السبب هو حالة اليأس والقهر، التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وعلى الأخص القدس، تنفيذاً للمخطط الصهيوني، بأن فلسطين من البحر إلى النهر، هي أرض (إسرائيل) التاريخية.
48 سنة من الاحتلال يمارِس فيها الكيان الصهيوني كل صنوف الإرهاب، من قتل وحبس لمدة طويلة، بما فيها الحبس الإداري، والآن القتل العمد في الميدان، فالجنود الإسرائيليون يصوبون رصاصهم، بمجرَّد الاشتباه بأحد، من دون محاولة القبض على المشتبه بهم، أو من حاول طعن فرد إسرائيلي، فهل يُعقل أن كتيبة من الجنود لا تستطيع الإمساك بحامل السكين وتجريده من السلاح؟!
بل إنه حتى بعد أن يقع الشاب أو الفتاة أرضاً، يُكملون رشهم بالرصاص، للتأكد من القضاء عليهم.
هذا ما حصل في كثير من الحالات، وليس آخرها ما قام به أحد المستوطنين بقتل شاب فلسطيني للاشتباه به بأنه يحمل السلاح، فجاء الجنود واستكملوا رشه بالرصاص، للتأكد من قتله.
إن القدس الشرقية، التي أعلنت (إسرائيل) ضمَّها للكيان الإسرائيلي تحت شعار «القدس الموحدة الغربية والشرقية»، واعتبارها عاصمة أبدية لـ(إسرائيل)، وهو إجراء لم تعترف به الأمم المتحدة وجميع الدول، بما فيها الولايات المتحدة، تواجه مخططاً إسرائيلياً لتفريغ القدس من سكانها العرب.
ويتخذ الاحتلال إجراءات تجعل أهاليها يعيشون في جحيم، وذلك بإقامة المستوطنات في أراضي القدس الشرقية، ومحاصرة العرب والتضييق عليهم في تحركهم، وهدم بيوت الشباب من حاملي أي سلاح وتطويقها بالمستوطنات التي نما عدد سكانها من 70 ألفاً عام 1980.
وتوسعت بعد اتفاقية كامب ديفيد، إلى أن بلغ عددها 771 ألفاً عام 2014، 63% منهم من اليهود، و37% من العرب، الذين يعانون البطالة، التي ارتفعت معدَّلاتها واتساع رقعة الفقر، إذ بلغت نسبة مَن هم تحت خط الفقر 70% من العرب.
أفـق مسـدود
وإلى جانب هذا البؤس والشقاء، لا يرى الفلسطينيون أملاً في الوصول إلى اتفاق مع (إسرائيل) يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، فقد أصبح هذا الأفق مسدوداً، فالمفاوضات منذ اتفاقية أوسلو، التي قبِل فيها الفلسطينيون الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، إلا أنها أصبحت مكررة بلا نتائج، فإسرائيل ترفع سقف الشروط، وآخرها شرط الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود.
وفي ما تمضي إسرائيل في التوسع بإقامة المستوطنات، التي انتشرت في الضفة، كانتشار الجرب في جسم الإنسان، بحيث أصبح من المتعذر إنشاء دولة فلسطينية على ما تبقى من أراضي الضفة، خصوصاً أن إسرائيل ترفض إزالة المستوطنات، وفي المفاوضات عام 2000 كان من الشروط المطروحة ضم المستوطنات إلى (إسرائيل).
الآن، الحديث السائد، هو وفاة مشروع الدولتين، ومع تزايد اليمين المتطرف، الذي أصبح يسيطر على الحكومة الإسرائيلية، وعلى الجيش، لم تعد هناك بارقة أمل للفلسطينيين، غير الرضوخ بالعيش تحت ضغط السياسات العنصرية، التي تستهدف الفلسطينيين، ما قد يدفعهم للمغادرة، وتفريغ الضفة الغربية، وعلى الأخص القدس الشرقية، من سكانها العرب، لتحقيق حلم دولة (إسرائيل) الكبرى.