السودان.. لماذا سقطت كل الرهانات مع استقالة حمدوك؟

الخميس 6 يناير 2022 02:14 ص

استقال رئيس الوزراء السوداني "عبدالله حمدوك"، مساء الأحد، عقب موجة أخرى من الاحتجاجات الجماهيرية وعمليات القتل على يد قوات الأمن، معلناً أن البلاد "تمر الآن بمنعطف خطير يهدد بقاءها".

وأفادت مصادر مقربة من "حمدوك" أنه محبط من قرار مجلس السيادة الذي يقوده الجيش بإعادة سلطات الاعتقال إلى جهاز المخابرات العامة، وكذلك رفض إعادة تعيين السفراء الذين تم عزلهم بعد انقلاب "عبدالفتاح البرهان" على حلفائه المدنيين في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لكن من الناحية العملية، فقد "حمدوك" بالفعل الكثير من شرعيته في الشارع السوداني وبين القوى السياسية المدنية بعد أن وقع اتفاقًا سياسيًا مع "البرهان" في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وقد حقق الاتفاق مطلب الجيش بتشكيل حكومة "تكنوقراطية" لتحل محل الحكومة الحزبية التي تم تشكيلها في أوائل عام 2021. وبعد الاتفاق، انقسم الشارع فبينما انقلب جزء من الرأي العام على "حمدوك" واصفا ما فعله بـ"خيانة" الثورة، رأى آخرون أنه لم يكن لديه سوى القليل من الخيارات وأن "حمدوك" لا يزال يمثل الحكم المدني.

وتعني استقالة "حمدوك" أن التحول الحالي في السودان يتبع مسارًا مختلفًا تمامًا عن التحولات التاريخية التي أعقبت أول انتفاضتين مدنيتين في السودان، ثورة أكتوبر/تشرين الأول عام 1964 وانتفاضة أبريل/نيسان عام 198.

ويعد الأمر المشترك بين "حمدوك" ورؤساء الوزراء الآخرين خلال التحولات السابقة هو أنه انتهى به الأمر على خلاف مع الشارع. وفي عامي 1964 و1985، عمل رئيسا الوزراء "سر الختم الخليفة" و"الجزولي دفع الله" ضد اليسار لضمان الانتقال إلى حكومات حزب الأمة التي تحظى بدعم الجيش.

ويعد الفرق اليوم هو أنه بينما استمر رئيسا الوزراء حتى نهاية الفترة الانتقالية، لم يفعل "حمدوك" ذلك مما يعني أن الوضع السياسي في السودان الآن متقلب للغاية.

ولم يخش أحد أن يلعب "حمدوك" نفس الدور الذي لعبه أسلافه فمؤهلاته التقدمية أكبر بكثير من مؤهلات "الجزولي دفع الله"، الذي كان له علاقات تاريخية بالإسلاميين في السودان، أو "سر الختم الخليفة"، الذي تفاوض مع زعيم حزب الأمة "الصادق المهدي" في عام 1965 لحل الحكومة التي يهيمن عليها اليسار.

وكان "حمدوك" نفسه عضوًا سابقًا في الحزب الشيوعي السوداني، وكان كبار مستشاريه أيضًا يتمتعون بمؤهلات يسارية تاريخية. وتم استقبال "حمدوك" في البداية بترحيب حار من قبل العديد من لجان الحركة الشعبية التي تصدرت الاحتجاجات. وكان "حمدوك يحظى بنظرة إيجابية من قبل الجماعات المتمردة لا سيما "حركة تحرير السودان" بزعامة "عبد الواحد نور" وفصيل "عبد العزيز الحلو" من الجيش الشعبي لتحرير السودان.

وبعد تكرار عمليات القتل على أيدي الأجهزة الأمنية، أدرك "حمدوك" أنه لم يعد بإمكانه ربط نفسه بتحول الجيش ضد الثورة، لذلك استقال. كما هاجم "حمدوك" علناً دور الجيش في الاقتصاد، مؤكداً أن دور الشركات العسكرية يجب أن يقتصر على قطاع الدفاع.

ووفقًا لمصادر داخل الأجهزة الأمنية، أعد جهاز المخابرات العامة قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول تحليلاً لسيناريوهات ما بعد الانقلاب. ورأت التحليلات أن "حمدوك" شخصية مترددة ومرنة يمكن استخدامها كرمز صوري لتغطية الانقلاب العسكري. وإذا كان هذا صحيحًا، فإن "حمدوك" فشل في البداية في تلبية توقعات الأجهزة الأمنية، ورفض قراءة بيان يؤيد الانقلاب تحت تهديد السلاح.

ومع ذلك، واصلت الأجهزة الأمنية العمل الجاد لإبقاء "حمدوك" معزولًا، ووضعه قيد الإقامة الجبرية والسماح له فقط بالوصول إلى الشخصيات المؤيدة للجيش في قوى الحرية والتغيير، وكذلك الدبلوماسيين الدوليين والإقليميين الذين دفعوه في اتجاه حل يضمن "استقرار" السودان.

وكان "فضل الله برمة ناصر"، القائم بأعمال زعيم حزب الأمة الوطني، أحد الأفراد الذين سُمح لهم بالوصول إلى "حمدوك". وكانت هناك العديد من الأسباب التي جعلت الجيش ينظر بإيجابية إلى "ناصر"، فقد انضم سابقا إلى المجلس العسكري الانتقالي الذي قاده "سوار الذهب" وحرص على إبقاء اليساريين مسجونين في سجن كوبر بعد سقوط الديكتاتور السوداني السابق "جعفر نميري".

وبعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، نصب "ناصر" نفسه كوسيط بين "حمدوك" والجيش. وكان أحد المهندسين الرئيسيين لاتفاق 21 نوفمبر/تشرين الثاني، وكان أكثر السياسيين السودانيين صخبًا في الدفاع عن الاتفاق في وسائل الإعلام.

وبحسب موقع "الركوبة" الموالي للمعارضة، فإن "ناصر" خدع "حمدوك" وقال له إنه مفوض من قبل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير للتوسط بينه وبين الجيش. في الواقع، كانت قيادة قوى الحرية والتغيير، التي أدركت الغضب السائد في الشارع، ترفض صراحة التفاوض مع الجيش.

ورفضت قوى الحرية والتغيير الاتفاق السياسي فور إعلان "ناصر" عنه، وكان هذا أيضا موقف اتحاد المهنيين السودانيين ولجان المقاومة في الخرطوم. لكن المؤسسات المختلفة التي تمثل "المجتمع الدولي"، أصدرت بيانات ترحب بالصفقة على أساس أنها ضمنت إطلاق سراح "حمدوك".

بينما نجح "حمدوك" في تأمين عودة عدد من المسؤولين الذين تم فصلهم من الوزارات بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، أعاد الجيش تنصيب شخص تابع لنظام "البشير" مقابل كل فرد أعاده "حمدوك".

وبالرغم أن صفقة 21 نوفمبر/تشرين الثاني نصت على استثناء حزب المؤتمر الوطني (الذي كان "البشير يتزعمه)  من أي دور المرحلة الانتقالية، أعاد "البرهان" الحاكم القديم لجنوب كردفان في عهد حزب المؤتمر الوطني إلى رئاسة جهاز المخابرات العامة.

وظهرت تقارير تفيد بأن "إبراهيم البدوي"، وزير المالية الذي استقال من أول حكومة انتقالية لـ"حمدوك" بسبب الخلافات السياسية، ربما يكون بديلا مقبولا لدى الجيش. ومع ذلك، من غير المرجح أن يحافظ أي سياسي يحل محل "حمدوك" على مصداقيته إذا أصبح جزءا من الترتيب الحاكم بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول واتفاق 21 نوفمبر/تشرين الثاني.

وستتمثل المشكلة الرئيسية لأي تكنوقراطي بعد "حمدوك" في حقيقة أن هناك الآن معارضة واسعة في الشارع ليس فقط لاتفاق 21 نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن لاتفاق أغسطس/آب 2019 الأصلي الذي أطلق الشراكة المدنية العسكرية وأدى إلى قدوم "حمدوك" لرئاسة للوزراء.

وقد رحب تجمع المهنيين السودانيين باستقالة "حمدوك" التي يعتبرها تأكيدا على تلاشي أي آمال في الشراكة المدنية العسكرية. إلا أن الأمين العام لحزب الأمة "الواثق البرير" أعرب عن أسفه للقرار، مؤكدا أنه سيؤدي إلى عودة السيطرة العسكرية الكاملة.

ويؤكد كل من حزب الأمة والمتظاهرين في الشوارع أنهم يريدون العودة إلى الحكم المدني، بالرغم أن لديهم ترجمة مختلفة لما يعنيه ذلك.

ويريد حزب الأمة عودة سريعة للانتخابات. وفي حين أنه من غير المرجح أن يؤدي الحزب أداءً قويًا في الانتخابات اليوم كما فعل خلال الستينيات والثمانينيات، إلا أنه لا يزال لديه فرصة أفضل في تعبئة قاعدة الدعم المتبقية من خلال الحملات الانتخابية مقارنة بحركات الاحتجاج الثورية.

أما القوى التي تعرقل الانتقال الفوري إلى الانتخابات فهم أولئك الذين يميلون تاريخياً إلى الأداء السيئ فيها مثل البعثيين والشيوعيين.

وفي الواقع، ما يريده المتظاهرون هو حكومة انتقالية بقيادة مدنية من شأنها كسر قبضة الجيش والأجهزة الأمنية على الاقتصاد والحياة السياسية، وبالتالي منع الجماعات الموالية للجيش من الهيمنة عند إجراء الانتخابات.

ويبدو المسار الانتقالي نحو الحكم البرلماني بقيادة حزب الأمة المدعوم ضمنيًا من الجيش أقل وضوحًا الآن مما كان عليه في عامي 1964 و 1985. وبينما لا يزال حزب الأمة منافسًا سياسيًا جادًا، إلا أن قاعدته التاريخية تآكلت بسبب الجماعات المتمردة في غرب السودان وحركة الاحتجاج الشبابية.

وبالنسبة للجان المقاومة، التي ظهرت كحركة قومية وليست حزبية، لا تزال هذه اللحظة تمثل فرصة محتملة. في الوقت نفسه، توغلت الحكومة الانتقالية الآن في اتجاه الثورة المضادة أكثر بكثير مما فعلت في عام 1964 أو 1985، من خلال منح سلطات الاعتقال لجهاز المخابرات العامة وقوات نظامية أخرى.

من الواضح الآن أن 2019-2022 لم تعد بمثابة تكرار لمرحلة 1964-1965 أو 1985-1986، ولا يزال المستقبل السياسي للسودان غامضا للغاية.

المصدر | ويلو بيريدج - ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

البرهان عبدالله حمدوك الانتقال في السودان الاحتجاجات في السودان فضل الله برمة ناصر عبدالفتاح البرهان الثورة السودانية الحكومة السودانية حزب الأمة القومي السودان

السودان.. انطلاق مظاهرات حاشدة بالخرطوم وانقطاع جزئي للاتصالات والإنترنت

أمير قطر للبرهان: نولي ملف التعاون المشترك اهتمامًا متعاظمًا

أكسيوس: حمدوك يرفض تولي أي منصب سياسي رغم الضغوط العربية