مونديال قطر.. هكذا كان أداء المغرب انتقاما تاريخيا لدول الجنوب العالمي  

الجمعة 16 ديسمبر 2022 09:32 م

"نحلم أن يكون العالم أحلى ونعيش بحب، ونتجمع ونجعل صوتنا يملأ هذه الدنيا (...) انظروا من نحن؟ نحن الحالمون"، هكذا تقول الأغنية الرسمية لافتتاح مونديال قطر 2022، التي أداها "جونغ كوك" مغني فرقة "بي تي إس" الكورية مع المغني القطري "فهد الكبيسي"، ويبدو أن الأغنية انطبقت فعلًا على الفريق المغربي.

ومن المثير للاهتمام أن الأغنية التي أنتجها المغربي السويدي "ريدوان"، جسدت الروح التي تحلى بها الفريق المغربي الذي فاجأ الجميع ونجح في هزيمة منافسين بارزين مثل فرق البرتغال وأسبانيا وبلجيكا.

ما حققه المنتخب المغربي (أسود الأطلس) أكثر من مجرد إنجاز رياضي بسيط؛ فهي ثورة في ثقافة كرة القدم؛ ومكسب رمزي للأفارقة والعرب والمسلمين في كل مكان، كما إنها انتقام تاريخي للحالمين المهمشين في الجنوب العالمي.

تغيير ثقافة كرة القدم

تم تنظيم قواعد كرة القدم الحديثة في بريطانيا في القرن 19 وسرعان ما أصبحت مفضلة لدى أوروبا، وحصدت الرياضة الجماعية شعبية عالمية مع إنشاء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وتنظيم كأس العالم الأول في عام 1930 في أوروغواي. 

ولا تزال كرة القدم اليوم رياضة تتقدم فيها أوروبا، مدعومة بالبطولات المحترفة وإعلام وعواصم القارة العجوز مع دعم من الأمريكتين.

وهكذا، ترتبط ثقافة كرة القدم باللاعبين البارزين في الفرق الإسبانية والبريطانية والإيطالية وغيرها من الفرق الأوروبية. كما إنها مرتبطة إلى حد كبير بطقوس شرب البيرة وهتافات الألتراس، ولقطات الحسناوات ذوات البشرة البيضاء اللواتي يظهرن على شاشات التلفزيون.

وأعاد مونديال 2022 تشكيل طقوس الحدث وأملى معايير جديدة تتناسب مع قيم قطر العربية والإسلامية بالرغم من الضجة والانتقادات الغربية، كما كانت هناك دروس مستفادة من المغرب الذي حقق إنجازا خارج التوقعات.

ومع صور اللاعبين الذين يسجدون بعد كل مباراة، والاحتفاء بالتضامن العائلي مع احتضان اللاعبين لأمهاتهم، والتلويح بالعلم الفلسطيني في الصور التذكارية، فرن هذه الأفعال تمثل تحديا لثقافة كرة القدم المتمحورة بشكل أساسي حول الغرب وهي تشير إلى مجموعة من الرموز الأكثر تنوعًا وشمولًا والتي تختلف من الناحية المعرفية عن كأس العالم المعتاد. 

وبالمثل، اختار عشاق الفريق شعارًا جديدًا ذا بعد ديني هو #ديروا_النية، الذي تم استخدامه على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي حتى من قبل السفير الأمريكي المعين حديثًا إلى المغرب، السفير "بونيت تالور" .

تحطيم العقد الاستعمارية

تم الترحيب بانتصارات الفريق المغربي على نطاق واسع من قبل دول أخرى في الجنوب العالمي، ولا سيما أولئك الذين يرون كفاح الفريق باعتباره انعكاسًا لمعركتهم الخاصة. 

وانحاز المشجعون في جميع أنحاء القارة الأفريقية والعالم العربي والإسلامي تلقائيًا لأسود الأطلس في تحد لمستعمريهم القدامى من الإسبانيين والبرتغاليين والبلجيكيين والفرنسيين والبريطانيين، كأن كل انتصار حطم عقدًا إمبريالية قديمة تتعلق بتفوق المدربين والفرق الأوروبية. أما بالنسبة للبلدان العربية على وجه الخصوص، فقد تصاعدت مشاعر العروبة ومحت عقودًا من عقلية الهزيمة.

أما بالنسبة للبلد المضيف، فإن انتصارات المغرب مثلت امتدادًا وتجسيدًا للحلم القطري في المنافسة؛ بأن يكون سبيلًا لجميع العرب للاستمرار في الحلم. وحرص الأمير القطري "تميم بن حمد آل ثاني" على التعبير عن فريقه المفضل بصوت عالٍ وواضح من خلال التلويح بعلم المغرب خلال مبارياته.

ومع صعود أسود الأطلس إلى الدور نصف النهائي ضد فرنسا في 14 ديسمبر/كانون الأول، أعاد الملايين من الشباب والأطفال تعريف رموزهم في كرة القدم بعد المشهد السريالي لـ"كريستيانو رونالدو" وهو يغادر الملعب باكيًا، ووجدوا أبطالهم الجدد في لاعبين مثل "حكيم زياش"، و"أشرف حكيمي"، و"ياسين بونو". 

وتمثل حكاية اللاعبين المغاربة قصة المهاجرين من الجيل الأول والثاني الذين لديهم تجارب متباينة في الاندماج داخل أوروبا التي وُلد الكثيرون فيها وترعرعوا على أرضها.

وتشير هذه الحكاية إلى قصة أكبر عن توفير أوروبا للاستثمار المالي الذي لم يجده هؤلاء اللاعبين في أوطانهم الأصلية، لكنه فشل في نهاية المطاف في بناء صلة حقيقية بالبلاد التي وُلدوا فيها، والتي كانت في كثير من الأحيان مصدرًا للتمييز وسوء المعاملة ضد مجتمعاتهم المهاجرة الشمال إفريقية. في النهاية، اختار 14 من أصل 26 لاعبًا تمثيل وطن أجدادهم في كأس العالم.

وعندما يبدأ النظام العالمي في التحول من جديد نحو التعددية، يمكن اعتبار مونديال قطر والانتصارات الرمزية المتتالية للفريق المغربي بمثابة تجلٍ لتغير القوى والسرديات العالمية المختلطة. 

إن التحولات في مراكز القوة وانهيار الهيمنة الغربية (التي أخفتها وسائل الإعلام الغربية غالبًا) أصبحت واضحة للمشاهدين الذين يتابعون البطولة بحماسة، فيما يطوف ببالهم السؤال الصعب: متى تغير العالم إلى هذه الدرجة؟

((3))

المصدر | سارة زعيمي/ أتلانتيك كاونسل ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مونديال قطر المغرب أسود الأطلس الجنوب العالمي

رابع العالم.. منتخب المغرب يكتب التاريخ رغم الهزيمة من كرواتيا

منتخب المغرب.. نجاحات سياسية واجتماعية تتجاوز إنجاز رابع المونديال

للمرة الثانية.. التحقيق مع برلماني مغربي بسبب فضيحة تذاكر المونديال

المغرب.. السجن والغرامة لبرلماني وصحفي بسبب تذاكر مونديال قطر