اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال.. مخاطر محدقة باستقرار القرن الأفريقي

الأربعاء 10 يناير 2024 09:55 م

سلط مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي "ستراتفور" الضوء على الاتفاق الذي أبرمته إثيوبيا مع حكومة إقليم أرض الصومال، والذي يمنحها إمكانية الوصول التجاري والعسكري إلى ميناء بربرة على البحر الأحمر، مشيرا إلى أن تداعيات هذا الاتفاق ستؤثر في تشكيل سياسات القرن الأفريقي ويزيد التوترات بين إثيوبيا والصومال المجاورة.

وذكر المركز، في تقدير نشره بموقعه وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاتفاق يمهد الطريق لاعتراف إثيوبيا باستقلال منطقة أرض الصومال الانفصالية، ما اعتبرته الحكومة الصومالية عملا من أعمال "العدوان" واتهمت إثيوبيا بانتهاك سيادتها وسلامة أراضيها.

وأضاف أن الاتفاق أثار بعض القلق في مصر أيضا، التي أعربت عن دعمها لسلامة أراضي الصومال وسط التوترات المستمرة بين القاهرة وأديس أبابا بشأن تشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق.

وبالمثل، انتقد الاتحاد الأوروبي الاتفاق وشدد على أن الحفاظ على سلامة أراضي الصومال أمر أساسي لتجنب المزيد من زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي.

أما الولايات المتحدة فأعربت عن مخاوفها بشأن آثار الاتفاق على الاستقرار الإقليمي، لكنها رفضت الدعوة إلى إلغائه، وبدلا من ذلك حثت إثيوبيا والصومال على الدخول في حوار دبلوماسي.

وأشار المركز إلى أن عدم إدانة هيئة (إيغاد) التجارية الأفريقية للاتفاق صراحة يسلط الضوء على النفوذ الدبلوماسي لإثيوبيا في المنطقة، مشيرا إلى أن الأخيرة ربما تكون أول دولة تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وذلك بعدما أصبح الإقليم مستقلا بحكم الأمر الواقع منذ إعلان استقلاله عن الصومال في عام 1991.

 ويشير "ستراتفور" إلى أن التفاصيل حول طبيعة الاتفاق لاتزال ضئيلة، وتقتصر على إعلان الحكومة الإثيوبية أن مذكرة التفاهم ستمكنها من تأمين "قاعدة بحرية دائمة وموثوقة وخدمات بحرية تجارية في خليج عدن من خلال اتفاقية إيجار"، وإشارة رئيس أرض الصومال، عبدي، إلى أن مدة الإيجار 50 عامًا.

ولا يرجح المركز الأمريكي نشوب صراع مسلح بين إثيوبيا والصومال على المدى القصير إلى المتوسط، لكنه أكد أن الاتفاق بين أديس أبابا وأرض الصومال يخاطر بقلب التعاون في مكافحة الإرهاب بين إثيوبيا والصومال رأساً على عقب ويمهد الطريق لتوترات دبلوماسية طويلة الأمد.

فإثيوبيا سبق لها التعاون مع الصومال في مكافحة الإرهاب، حيث شاركت القوات الإثيوبية بشكل مباشر في القتال ضد حركة الشباب في الصومال.

تدهور العلاقات

 ومن شأن الاتفاق مع أرض الصومال أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الإثيوبية مع الصومال، والتي تحسنت في العقود الأخيرة، بعدما انخرطا في حرب بالفترة 1977-1978 للسيطرة على إقليم أوجادين، التي يسكنه الصوماليون في إثيوبيا.

ومنذ تسعينيات القرن الماضي، سعت إثيوبيا إلى دعم السلامة الإقليمية لجارتها الهشة بدلاً من استغلال انقساماتها الداخلية، لكن تحرك أديس أبابا للاعتراف رسميًا بأرض الصومال كجزء من مذكرة التفاهم الجديدة مع المنطقة الانفصالية من شأنه أن يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الإثيوبية ويسلط الضوء على الأهمية التي يوليها رئيس الوزراء، آبي أحمد، لتأمين وصول بحري مباشر ينهي عن بلده صفة الدولة الحبيسة.

وفي حين أن الاتفاق أدى إلى تفاقم التوترات الثنائية، لا يرجح "ستراتفور" نشوب حرب بين أديس أبابا ومقديشو في المستقبل المنظور نظرا للصعوبات المستمرة التي تواجهها القوات المسلحة الصومالية في القتال ضد حركة الشباب.

ومع ذلك، فإن الضغط الداخلي قد يدفع الرئيس الصومالي، حسن شيخ حمدو، إلى تعليق عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة مع إثيوبيا، رغم أن هذا القرار يمكن أن يتخذه آبي أحمد أيضًا ردًا على الإجراءات القانونية التي اتخذتها مقديشو.

ومن شأن تعليق التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أن يخاطر بعرقلة حملات الصومال ضد حركة الشباب في جنوب ووسط البلاد، ما يمكّن الجماعة الجهادية من تعزيز وجودها في هذه المناطق.

وإضافة لذلك، يرجح "ستراتفور" أن تنجح الحملة الدبلوماسية الصومالية في تصاعد المعارضة للاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال في مصر وإريتريا، حيث يعتزم البلدان زيادة الضغط على أديس أبابا لاحترام سلامة أراضي الصومال.

دعم سري

وفي هذا الإطار، ينوه المركز الأمريكي إلى أن تصاعد التوترات ربما يدفع الصومال وإريتريا إلى تقديم دعم سري لبعض الجماعات المتمردة في إثيوبيا كوسيلة للضغط على آبي أحمد، خاصة في إقليم تيجراي، إذ كان استمرار صمود اتفاق السلام فيه سببا في تحول آبي أحمد نحو التركيز على الوصول إلى منفذ بحري للبلاد، مشددًا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أن تأمين الوصول البحري "قضية وجودية" لمستقبل إثيوبيا.

ويمر نحو 95% من تجارة التصدير والاستيراد الإثيوبية حاليا عبر ميناء جيبوتي، وتدفع أديس أبابا متوسط مليار دولار سنويا كرسوم للميناء.

وكجزء من الجهود المبذولة لتنويع وصول إثيوبيا إلى البحر، وافقت كينيا على منح الحكومة الإثيوبية عقد إيجار في ميناء لامو لأغراض لوجستية في مايو/أيار 2018، وأحيت الدولتان خططًا لبناء خط سكة حديد بطول 3 آلاف كيلومتر يربط لامو بأديس أبابا في عام 2023.

ويعد الاتفاق مع أرض الصومال أيضًا جزءًا من مساعي آبي أحمد لإعادة إنشاء "قوة بحرية" قادرة على تأمين المياه قبالة القرن الأفريقي، لكن هذا الطموح سيواجه مجموعة من التحديات، بحسب تقدير "ستراتفور".

فعند تنصيبه رئيسًا للوزراء في عام 2018، أوضح آبي أحمد سريعًا طموحه، ليس فقط في تنويع النفوذ البحري، بل أيضًا: إعادة إنشاء بحرية إثيوبية قادرة على تأمين المياه قبالة القرن الأفريقي، ويمثل الاتفاق مع أرض الصومال خطوة رئيسية في هذا الاتجاه.

 وسيمثل تفعيل الاتفاق نجاحًا سياسيًا كبيرًا لآبي أحمد، قد يضمن إعادة انتخابه في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في عام 2025، بحسب تقدير المركز الأمريكي، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هذا الطموح لايزال يواجه مجموعة من التحديات، منها أن الاتفاق الجديد مع أرض الصومال ليس ملزما قانونيًا.

ولتعزيز وصولها إلى خليج عدن، ستحتاج إثيوبيا إلى إبرام معاهدة مستقبلية، ملزمة قانونًا، مع أرض الصومال، من شأنها أن تتضمن وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التأجير، وتحديد مدى السهولة التي ستتمكن بها الوحدات العسكرية الإثيوبية من الوصول إلى ميناء بربرة، والاعتراف رسميًا باستقلال أرض الصومال.

صعوبات مالية

وإزاء ذلك، فإن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال لايزال معرضا للفشل مع احتمال أن تكون المفاوضات بشأن الالتزامات المالية معقدة بسبب تخلف إثيوبيا الأخير عن سداد ديونها الخارجية.

كما أن الموقف المالي الصعب، الذي تواجهه إثيوبيا، من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد الجهود الرامية إلى بناء البنية التحتية اللازمة للموانئ لاستيعاب البحرية الإثيوبية الجديدة.

وما يزيد من تأخير طموح أديس أبابا في إعادة إنشاء قواتها البحرية هو حاجتها إلى تدريب البحارة والضباط، فضلاً عن شراء السفن البحرية.

وبحسب "ستراتفور" فإن إثيوبيا قد تكون قادرة على إنشاء قوة بحرية رمزية تتألف من عدد قليل من سفن الدورية على مدى السنوات القليلة المقبلة، لكن إعادة بناء قوة بحرية كاملة، قادرة على تحسين الأمن البحري حول مضيق باب المندب، سيستغرق عقودا.

وفي مارس/آذار 2018، وقع آبي أحمد اتفاقية دفاع مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تنص على دعم باريس لأديس أبابا في تطوير قوات بحرية، وذلك بعدما أعاد آبي أحمد تأسيس البحرية الإثيوبية بشكل رمزي في عام 2019.

وأعلنت إثيوبيا عن استحواذها على حصة 19% في ميناء بربرة في عام 2018، والتي خسرتها في النهاية بسبب فشلها في استيفاء الشروط المطلوبة لإكمال صفقة الملكية، ما يؤشر إلى إمكانية انهيار مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال لأسباب مالية، بحسب "ستراتفور".

ويشير المركز الأمريكي إلى أن الصومال أصدرت قانونًا، في 7 يناير/كانون الثاني الجاري، يلغي الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، ما قد يؤدي إلى تثبيط الاستثمارات في مشروع ميناء إثيوبيا من خلال تعريض الشركات لدعاوى قضائية من الحكومة الصومالية، ما يزيد من تعقيد جهود إثيوبيا لتطوير البنية التحتية الضرورية للميناء.

المصدر | ستراتفور/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصومال أرض الصومال إثيوبيا البحر الأحمر ميناء بربرة

في ظل أزمة بالصومال وإثيوبيا.. رسالة من السيسي لنظيره الإريتري

جامعة الدول العربية: اجتماع طارئ لبحث أزمة أثيوبيا وأرض الصومال

الصومال تمنع طائرة مسؤولين إثيوبيين من دخول صوماليلاند

رغم عقوبات وعزلة محتملة.. هكذا سترسو سفينة إثيوبيا في ميناء بربرة

الاتفاق مع أرض الصومال.. إثيوبيا تقتنص التوقيت المناسب لفك "سجنها الجيوسياسي"