اليمن بين إملاءات السلاح وفرص الشراكة

الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 07:12 ص

اعتبرت دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات دراسة جديدة عن اليمن بعنوان (انتقال متعثر: اليمن بين إملاءات السلاح وفرص الشراكة)، اعتبرت أن اجتياح الحوثي للعاصمة قلب معادلة توازن القوى التي قامت عليها ثورة فبراير/شباط 2011 ولاحقًا النظام الانتقالي، بشكل ملموس خصوصًا في شقيها القبلي والعسكري، ليقوم على أنقاضها توازن قوى جديد أطرافه ثلاث قوى رئيسية تتصدر المشهد، هي«: الرئيس عبد ربه منصور هادي»، والرئيس السابق «علي صالح»، وحركة «أنصار الله» (الحوثيين).

واعتبر الباحث «خالد رماح» أن المتغيرات اليمنية الأخيرة أحدثت واقعًا جديدًا على الأرض، ألقى بظلاله على معادلة توازن القوى، وعلى قدرة الحكومة الجديدة المشكَّلة بموجب اتفاق السلم والشراكة، في مواجهة قضايا وملفات حساسة، متعلقة بالأوضاع الاقتصادية والأمنية واستمرار انتشار المسلحين في الشوارع، ومتعلقة باستحقاقات قادمة كالدستور الجديد، وقضايا شكل الدولة الاتحادية وطبيعة النظام السياسي القادم، وقضية الوحدة بين شطري اليمن، في ظل استمرار معارضة أطراف رئيسية في توازن القوى، وفي الأحداث الأخيرة، للطريقة التي تم بها تشكيل الحكومة، واعتراضها على بعض أعضائها؛ ما يرشح استمرار الأزمة السياسية، التي قد تتطور إلى صراع عسكري مرة أخرى يهدد بانهيار العملية الانتقالية، وإمكانية انزلاق البلد إلى حالة من الفوضى.

اليمن بين الثورة والثورة المضادة

شكل سقوط العاصمة وباقي المحافظات بهذه الصورة مفاجأة الجميع ووضع العديد من علامات الاستفهام. ويكاد يكون من المسلَّم به بين المراقبين المحليين أن اكتساح العاصمة المدججة بترسانة كبيرة من الأسلحة والوحدات العسكرية، ما كان ليتم لولا حصول الحوثيين على تسهيلات قدَّمتها أطراف في الدولة، ورضا وقبول ضمني من أطراف إقليمية ودولية. وبصورة رئيسية، تُوجَّه أصابع الاتهام إلى الرئيس السابق علي عبد الله صالح وبقايا نظامه، بالدخول في تحالف غير معلن مع الحركة الحوثية، قام بموجبه بتسخير نفوذه القبلي والسياسي والعسكري لدعم وتأمين الغطاء الداخلي لتوسعاتها العسكرية، والتدخل المباشر أحيانًا إلى جانبها، بغرض تصفية حسابات قديمة مع خصومه السياسيين، واستخدام الحركة الحوثية كرأس حربة للانتقام منهم والقضاء عليهم، وبشكل خاص اللواء «علي محسن الأحمر» القائد السابق للفرقة الأولى مدرع المنشق عن نظام «صالح»، ومشايخ آل الأحمر، وحزب الإصلاح الإسلامي؛ القوى الرئيسة الداعمة لثورة فبراير/شباط 2011 ضد نظام صالح.

وبصورة ثانوية، توجه أصابع الاتهام لوزير الدفاع اليمني السابق المقرب من الرئيس «عبد ربه منصور هادي» (وبشكل غير مباشر للرئيس نفسه)، وتتهمه في أحسن الأحوال بالتخاذل عن الوقوف أمام التوسع العسكري الحوثي، وتعمد إزالة الحواجز من أمام ، ابتداء بترك اللواء 310 المرابط في عمران يسقط في أيدي الحوثيين واعتبار الجيش محايدًا على أساس أنه صراع بين أطراف محلية، ليست الدولة طرفًا فيه.

وفي كل الأحوال، ما حدث في اليمن لا ينفصل عن سياق الثورة المضادة لما يسمى: ثورات الربيع العربي، والتي استهدفت دعامتها الرئيسية جماعات الإخوان المسلمين. وحسب ديفيد هيرست فإن أطرافًا إقليمية مؤثرة أسهمت في توجيه بوصلة الأحداث في اليمن (تدخل إماراتي مباشر وسوء تقدير سعودي)، لإضعاف حركة الإخوان المسلمين في اليمن ممثَّلة بحزب الإصلاح الإسلامي. ويأتي كاستمرار لما جرى ويجري في مصر وسوريا وليبيا، بهدف احترازي يتمثل في إيقاف انتقال عدوى الثورات إلى أقطار عربية أخرى. وبشكل أعمَّ، منع موجة التحول الديمقراطي من الانتشار في المنطقة. ووجد مساندة أطراف دولية ليست مستعدة للدفاع عن ديمقراطية توصل الإسلاميين إلى السلطة في بعض دول المنطقة العربية.

توازن قوى جديد في واقع معقد

وبالإضافة إلى النفوذ القبلي والعسكري للرئيس صالح، لا يزال بيده رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام، وأغلبية في البرلمان، وثروة مالية كبيرة ومخزون من الأسلحة، وما يقارب 6000 جندي هم حراسته الخاصة التي يستطيع استخدامها في توجيه الأحداث.

لكن من جانب آخر، من المتوقع أن يؤدي قرار مجلس الأمن الأخير بفرض عقوبات على الرئيس صالح تمنعه من السفر وتجمد أرصدته المالية، إلى الحد من قدرته على الحركة والمناورة داخليًّا بصورة متدرجة. وعلى الأرجح أن رد الفعل المتسرع على العقوبات، باتخاذ اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام -بإيعاز من الرئيس صالح- قرارًا بتنحية الرئيس عبد ربه منصور هادي والدكتور عبد الكريم الأرياني من منصبيهما كأمين عام وأمين مساعد للحزب، ستكون له تداعيات خطيرة على تماسك الحزب وفاعليته خلال الفترة القادمة جرَّاء الاستياء المتصاعد من العديد من قيادات الحزب في الشمال والجنوب من هذا القرار.

أما القوة النامية في معادلة توازن القوى الجديد فهي حركة أنصار الله؛ حيث مكَّنتها الأحداث الأخيرة من اكتساب عناصر قوة جديدة على حساب باقي الأطراف، واستولت أثناء تمددها العسكري على أعداد كبيرة من الأسلحة تجعلها تضاهي في قوتها دولة صغيرة، وأصبحت شريكًا رئيسيًّا في إدارة الدولة والنظام السياسي، وهو ما كانت ترفض بعض الأطراف قبوله إلا بعد أن تتحول الحركة إلى حزب سياسي وتسلِّم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة للدولة. ويبدو أن الحركة تتجه لتصبح القوة الرئيسية الأولى خلال الفترة القادمة، بسبب قضمها المتدرج من عناصر قوة الأطراف الأخرى، ومضيها بخطى ثابتة نحو الاندماج في مؤسسات الدولة الحيوية، وتوسيع قدرتها على تقديم مزيد من المنافع والخدمات. وكونها حركة نامية فتيِّة ومتوثبة جعلها مصدر جذب لأعداد متزايدة من الشباب سواء غير المتحزب أو من قواعد الأحزاب السياسية في المناطق الأقرب إليها سياسيًّا واجتماعيًّا، وبشكل خاص حزب المؤتمر الشعبي العام؛ حيث يساعد التقارب في المواقف فيما بين الطرفين في إذابة الحدود السياسية والفكرية الفاصلة، وسهولة الانتقال من جانب إلى آخر.

الاتجاهات المستقبلية

قد يكون من الصعب استشراف اتجاهات الأوضاع في اليمن خلال الفترة القادمة نتيجة تسارع الأحداث وإمكانية اتجاه بعض الأطراف لتبني خيارات غير رشيدة وغير متوقعة. لكن في الخطوط العريضة يراوح مستقبل العملية الانتقالية الجارية في البلد بين ثلاثة مسارات محتملة:

الأول: مسار استمرار العملية الانتقالية

وهذا المسار يدعمه ما تبقى من قوى ثورة فبراير/شباط 2011، والرئيس «هادي»، بينما الدعم المؤثر يأتي من الأطراف الدولية والإقليمية الراعية للعملية، والعصا الغليضة للجنة العقوبات الدولية، خشية من أن يؤدي انهيار العملية الانتقالية إلى انهيار الدولة وانزلاق الأوضاع نحو الفوضى والحرب الأهلية، فتتضرر المصالح الإقليمية والدولية، ولذا لن تسمح هذه القوى لأية قوة محلية بدفع البلد نحو الانهيار، وستعمل على منع ذلك بمختلف السبل بما فيها إقرار مزيد من العقوبات على الأطراف المعرقلة، وقد يكون من ضمنها خيار التدخل العسكري إذا لزم الأمر لمساندة قوات على الأرض. ويبدو لحد الآن أن توازن القوى القائم لن يسمح لطرف واحد باتخاذ قرار الانقلاب على العملية الانتقالية وفرض سيطرة أحادية على الأوضاع، وسيكون القيام بذلك عملاً متهورًا غير محسوب العواقب، بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية، وهشاشة وتفكك مؤسسات الدولة، وحالة التفكك والاستقطاب الحادة في البنية الاجتماعية والسياسية القائمة.

الثاني: مسار انهيار العملية الانتقالية

وذلك بطبيعة الحال لن يحدث من تلقاء نفسه وإنما نتيجة سعي أطراف داخلية (الرئيس صالح والحركة الحوثية)، تساندها أطراف إقليمية (إيران)، للقيام بانقلاب على نظام الرئيس «هادي» يغير قواعد اللعبة في البلد ويقلب الأوضاع رأسًا على عقب، سواء تم ذلك عبر انقلاب عسكري عنيف بقيام المسلحين الحوثيين وقوات الرئيس صالح في العاصمة بالسيطرة على المؤسسات الحيوية، وإعلان تنحية الرئيس هادي عن السلطة وتشكيل مجلس عسكري لإدارة الأوضاع في البلد، كما لوحت بذلك الحركة الحوثية في وقت سابق. أو عبر انقلاب ناعم بقيام أغلبية الرئيس صالح في البرلمان بإعلان سحب الثقة من الرئيس هادي، ليتولى منصب الرئيس مؤقتًا رئيس مجلس النواب بموجب الدستور اليمني، على أن يتم لاحقًا إجراء انتخابات رئاسية، تمكِّن نجل الرئيس السابق من الوصول إلى مقعد الرئاسة مقابل تحول الحركة الحوثية إلى شريك رئيسي في النظام الجديد .

وهذا المسار سيكون له عواقب عديدة، أهمها: دخول اليمن كليًّا تحت النفوذ الإيراني لأنها الوحيدة التي يمكن أن تدعم مثل هذا التحول الدراماتيكي في الساحة اليمنية. وسيعزز مشروع الانفصال بين الشمال والجنوب بشكل غير مسبوق، وقد يقود إلى انفصال فوري بين الشطرين، وستكون له في كل الأحوال تداعيات وعواقب كبيرة على مشروع التغيير وعلى مستقبل اليمن أرضًا وسكانًا.

الثالث: مسار إدخال تعديلات على العملية الانتقالية القائمة

ويعبِّر عن هذا المسار تصريح وزير الشؤون الخارجية العماني لـصحيفة (الشرق الأوسط): إن على دول مجلس التعاون الخليجي السعي لتقديم المبادرة الخليجية رقم (2)، لأن المبادرة الخليجية الأولى قضت الغرض منها، والأوضاع الجديدة تحتاج إلى مبادرة جديدة تناسبها . رغم عدم إمكانية الجزم بفائدة ذلك عمليًّا، إلا أن التطورات قد تذهب في هذا المسار منعًا لانهيار العملية الانتقالية أو استهدافها من أحد الأطراف الداخلية، بحيث يتم تلافي القصور والفجوات الموجودة في اتفاق السلم والشراكة الوطنية، ومنحها قدرًا أكبر من الإلزامية، وأيضًا إجراء تعديلات على بعض التفاهمات السابقة بما يتناسب مع الواقع القائم، وبما يحقق تطبيق مخرجات الحوار وإقرار الدستور الجديد، وصولاً إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في مواعيد ثابتة متفق عليها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحوثيون علي صالح عبد ربه منصور هادي اليمن المبادرة الخليجية

الحوثيون يحشدون لاقتحام تعز.. ومحادثات لأول مرة بين الإخوان و«عبدالملك الحوثي»

«الحوثيون» يسيطرون على مقر القوات البحرية ووزير الدفاع يوجه بإعادة هيبة القوات المسلحة

«هادي»: الحوثيون شركاء الوطن وأتمنى أن يتوقف توسعهم لتجنب إراقة الدماء

الحوثيون: من المنفى إلى صناعة الملوك

"المتمردون الشيعة" قادة اليمن الجدد

"مجلس التعاون" واليمن المنكوب

الثمن الباهظ للتخلي عن اليمن

السعودية ترى انتصارات الحوثيين مكاسب لإيران

الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي على أبواب صنعاء