رفض مجتمعي لقانون مكافحة الإرهاب في مصر

الثلاثاء 28 يوليو 2015 03:07 ص

دفع اغتيال النائب العامّ المصريّ المستشار «هشام بركات» في 29 يونيو/حزيران عام 2015 في هجوم سيارة مفخخة على موكبه، وما أعقب ذلك من عدد من التفجيرات الإرهابيّة، إضافة إلى الهجوم الإرهابيّ المتزامن على عدد من الكمائن الأمنيّة في شمال سيناء، الحكومة المصريّة إلى محاولة الإسراع في إصدار قانون خاصّ لمكافحة «الإرهاب». وقال الرئيس «عبد الفتّاح السيسي» في كلمة له إلى الشعب المصري في 30 يونيو/حزيران: «العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين، وسنقوم بتعديلها لنحقّق العدالة في أسرع وقت».

بدأت لجنة الإصلاح التشريعيّ التابعة إلى وزارة العدالة الانتقاليّة في 28 سبتمبر/أيلول 2014 دراسة قوانين مكافحة الإرهاب. وفي 1 يوليو/تموز، وعقب الهجوم الإرهابيّ على عدد من الكمائن التابعة للجيش المصريّ في شمال سيناء والتي أدّت إلى وفاة 17 مجنّداً، وافق مجلس الوزراء على قانون مكافحة الإرهاب، وقام بإرساله إلى قسم التشريع في مجلس الدولة الذي وافق عليه في 4 يوليو/تموز بعد إجراء التعديلات النهائيّة عليه، ومن ثمّ أعاده مرّة أخرى إلى مجلس الوزراء تمهيداً إلى رفعه إلى الرئيس «السيسي» لإقراره في المستقل القريب.

ومع اقتراب موعد إصدار القانون، بدأ يظهر رفض مجتمعيّ لبنود هذا القانون. ففي 5 يوليو/تموز، أعلنت نقابة الصحفيين، في بيان لها، رفضها قانون مكافحة الإرهاب معتبرة إيّاه «مخالفة واضحة لنصوص الدستور المصريّ الحالي»، وأنّه «يعيد من جديد القيود التي ناضلت النقابة لإلغائها عبر عقود من تاريخها».

«القانون فيه كثير من العوار الدستوري»، هكذا يقول عضو مجلس نقابة الصحفيين «خالد البلشي»، مضيفاً لـ«المونيتور»«تعاملنا كنقابة مع الموادّ المتعلّقة بالصحافة» والتي وصفها بـ«المعيبة».

ويقول «البلشي» إنّ النقابة لديها تحفّظ على أربعة موادّ هي 26، 27، 29 و37، إضافة إلى مطالبة النقابة بإلغاء المادّة 33 من الأساس، مضيفاً أنّ اجتماعات النقابة ورؤساء التحرير في حالة انعقاد مستمرّ إلى حين الانتهاء من الأزمة.

تعتبر المواد 26، 27، 29، 33، 37 من قانون مكافحة الإرهاب مخالفة لنص المادة 71 في الدستور المصري والتي تنص على «حظر توقيع أي عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون».

فالمواد 26، 27، 29 بقانون مكافحة الإرهاب تتضمن مواد تعيد عقوبة الحبس للصحفي مرة أخرى وهو مخالف للدستور، أما المادة 37 فهي تسلب حرية الصحافة والإعلام حيث نصت على أنه يحظر قيام أى فرد أو جهة بتسجيل أو تصوير وقائع جلسات المحاكمة بأي وسيلة كانت أو بثها عبر وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة أو على شبكات الاتصالات أو التواصل الاجتماعي أو على أي وسيلة أخرى.

أما المادة 33 والتي رفضتها نقابة الصحفيين بشكل قاطع نصت على عقاب كل من نشر «أخبار أو بيانات غير حقيقية» عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية.

وفي 8 يوليو/تموز، اجتمع رئيس الحكومة «إبراهيم محلب» مع رؤساء الصحف المصريّة، إضافة إلى نقيب الصحفيين، لبحث مطالب النقابة وأسباب رفضها القانون.

وقال «محلب»، خلال الاجتماع: «مشروع قانون مكافحة الإرهاب ليس موجّهاً ضدّ الصحافيّين، لكنّه يستهدف محاسبة كلّ من ينزل الضرر أو يتعمّد إنزال الضرر في الأمن القوميّ المصري».

وخلص الاجتماع إلى أنّ النقابة سترسل تعديلات للموادّ الأربعة، فيما ظلّ مصير المادة 33 مجهولا.

ويقول «خالد البلشي» إن النقابة أرسلت في 11 يوليو/تموز وثيقة تحمل التعديلات على الموادّ الأربع محلّ الجدل، إضافة إلى المطالبة بإلغاء المادّة 33، مضيفاً أنّه «في حال صدور القانون بعد مراعاة كلّ هذه الموادّ، لا بدّ أن يكون القانون موقّتاً ولفترة محدّدة وينصّ على أنّه قانون استثنائيّ لمدّة سنة أو اثنين أو ثلاث على أن يعاد النظر فيه بعد هذه المدّة».

«لدينا موادّ كافية في قانون العقوبات المصريّ لمواجهة الإرهاب، ولا نحتاج إلى قانون جديد»، هكذا يرى «البلشي»، مضيفاً أنّه «في حال الإصرار على تمرير قانون مكافحة الإرهاب الحاليّ، لا بدّ من مراعاة الضوابط كافة التي تهدد مدى دستوريته، إضافة إلى مطالب المنظّمات الحقوقيّة المختلفة ومجلس القضاء الأعلى».

ورأى عضو مجلس نقابة الصحفيين، أنّه لا يمكن مواجهة الإرهاب بالقوانين الاستثنائيّة، فمواجهته تحتاج إلى ثقافة مختلفة، وإلى إشراك المجتمع في شكل عامّ، وتجديد الخطاب الدينيّ الذي تأخّر كثيراً، إضافة إلى مناخ عادل وتوفير الحقوق والحريّات أيّ بناء دولة قائمة على العدل والحريّة.

وفي 7 يوليو/تموز، أعلنت 17 منظّمة ومركز حقوقيّ عن رفضها مشروع القرار بقانون لمكافحة الإرهاب، وقالت في بيان مشترك، إن «هذا القانون يمثّل اعتداء سافراً على الدستور وأحكام المحكمة الدستوريّة العليا، ويقوّض ما بقي من النظام القضائيّ المصريّ العريق».

«تحاول الحكومة تمرير قانون مكافحة الإرهاب بذريعة مقاومة الإرهاب، فهو يمثّل حالة طوارئ في أشدّ صورها تعسّفا»، هذا ما يقوله مدير الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان «جمال عيد».

وأضاف «عيد»، في تصريحات إلى «المونيتور»، أنّ هناك استهانة واضحة في القيم القانونيّة والدستوريّة الراسخة تمثّل الملمح الأساسيّ في هذا المشروع. وقال: «هناك رؤية أمنيّة مستهينة في حقّ الصحافة باعتبارها مرآة المجتمع، فهذا القانون "يعصف بحريّة الصحافة ويجعل من الصحفيّين مجرّد ناقل للبيانات الرسميّة للدولة».

«مشروع القانون الجديد يجب ألّا يتمّ تقييمه بمعزل عن السياق العامّ المحيط به، فقد جاء كردّ فعل على حادث اغتيال النائب العامّ، والعمليّة الإرهابيّة في الشيخ زويد بهدف احتواء الغضب الشعبيّ، ولم يجر حوله أيّ حوار مجتمعيّ مع الأحزاب أو منظّمات المجتمع المدنيّ، إضافة إلى تركّز السلطة التشريعيّة في يدّ الرئيس منذ تولّيه السلطة، بسبب التأجيل المتكرّر للانتخابات النيابيّة»، هكذا يحلّل «عيد» أسباب محاولة إصدار القانون في هذا التوقيت.

وأضاف «عيد»«يجعل هذا المناخ المعادي للقواعد الديمقراطيّة المتعارف عليها، من مشروع القانون الجديد قانوناً لمصادرة الحريّات العامّة وعلى رأسها الحريّات الصحفية. كما أنّ ردود الفعل الناقدة لهذا المشروع من عاملين في مجال الصحافة، فضلاً عن نقابة الصحفيّين، ومنظّمات المجتمع المدنيّ، تدعو إلى اتّخاذ موقف جادّ موحّد من كلّ المهتمّين بالصحافة والإعلام ضدّ هذا القانون القمعيّ».

أصدرت الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان في 8 يوليو/تموز عبر موقعها الإلكترونيّ، جدولة للموادّ التي تراها غير مناسبة وتعديلاً لهذه الموادّ وفقاً لرؤيتها، تمهيداً لتقديمه إلى وزارة العدالة الانتقاليّة لإحالته إلى قسم التشريع في مجلس الدولة مجدّداً، لإجراء المراجعة القانونيّة في شأنه على ضوء تلك الملاحظات.

ولم يسلم القانون من يدّ رجال القضاة، حيث أعلن مجلس القضاء الأعلى في 5 يوليو/تموز، عن رفضه ثلاث موادّ، مطالباً قسم التشريع في مجلس الدولة إلى إعادة النظر فيها مرّة أخرى، مضيفاً في بيان له، أنّ هذه المواد هي 48، 50 و51.

«يشمل قانون مكافحة الإرهاب جانبين أحدهما إجرائيّ والآخر موضوعيّ»، هكذا يقول أستاذ القانون الجنائيّ وعميد كليّة الحقوق في جامعة القاهرة السابق الدكتور «محمود كبيش»، مضيفا: «إذا نظرنا إلى الجانب الموضوعيّ والمتعلّق بالجرائم والعقاب، فلم نكن في حاجة ماسّة إليه في هذه المرحلة، فمسألة التجريم والعقاب وردت في قانون العقوبات المصري، فما فيه من موادّ ونصوص كافية».

وأضاف «كبيش»: «إذا نظرنا إلى الجانب الإجرائيّ والمتعلّق بالإجراءات القانونيّة لمرتكبي الجرائم الإرهابيّة، فنحن بالفعل في حاجة إلى بعض هذه النصوص، ولكنّ النصوص التي صيغت في قانون مكافحة الإرهاب عليها ملاحظات متعدّدة، وتفتقر إلى الصياغة القانونيّة السليمة التي تتّفق مع الدستور والمواثيق الدوليّة».

وبعد أن آثار قانون مكافحة الإرهاب جدلا، لم يكن أمام الحكومة غير أنها تستمع إلى المقترحات التي تقدمت لها، وحاليًا تبحث الحكومة هذه التعديلات ومن المقرر أن تنتهي من ذلك خلال أيام على أن يتم رفع القانون بعد ذلك – في مدة لن تتخطى أسبوع – إلى الرئيس «السيسي» لإقرار القانون.

  كلمات مفتاحية

مصر قانون مكافحة الإرهاب اغتيال النائب العام هشام بركات السيسي قانون الإرهاب نقابة الصحفيين حرية الصحافة

غضب حقوقي وصحفي من قانون السيسي لتداول المعلومات

الدولة الأمنية والحرب على الإرهاب

منظمة العفو الدولية: قانون مكافحة الإرهاب المقترح في مصر "ضربة قاتلة لحقوق الإنسان"

مكافحة الإرهاب أم تأجيجه؟

السلطات المصرية تبحث إجراءات قانونية ضد نشر معلومات «خاطئة» عن قتلى الجيش

«قانون الإرهاب» يحكم مصر.. وحقوقي: يؤسس لدولة الخوف

الخارجية الأمريكية تعرب عن قلقها إزاء «قانون الإرهاب الجديد» في مصر

«هيومن رايتس»: قانون الإرهاب خطوة نحو «طوارئ» دائمة في مصر

تنديد حقوقي بمنع محام مصري من استخدام الإنترنت 5 سنوات

مصر.. السجن 10 سنوات عقوبة الترويج للتطرف بمواقع التواصل