أزمة أوكرانيا وروسيا.. كيف ستتأثر الدول العربية؟

الأحد 20 فبراير 2022 05:15 م

مع استمرار سيطرة الأزمة الروسية الأوكرانية على عناوين الأخبار على مستوى العالم، تراقب كافة جهات العالم عن كثب، في انتظار معرفة ما إذا كانت روسيا ستغزو أو تهدئ من التصعيد. وأحد هذه الزوايا، التي حظيت باهتمام أقل، هي العالم العربي. على غرار المناطق الأخرى، سوف يتأثر بأكثر من طريقة.

أولاً، لا تزال المنطقة العربية مسرحًا لمنافسة القوى العظمى، لا سيما بين روسيا والولايات المتحدة. ثانيًا، فهي موطن لبعض أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، والذين يتأثر مستقبل إنتاجهم من الطاقة بالتوترات المتزايدة ونتائج الأزمة.

بالإضافة إلى ذلك، أثّر الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الأيام الأخيرة على الأسواق المالية في دول الخليج العربية، حيث تحركت الأسهم في اتجاهات مختلفة كرد فعل على "التوترات الجيوسياسية في أوروبا الشرقية". بالنسبة للبلدان المستوردة للطاقة مثل الأردن ولبنان، ترتبط أسعار الوقود المرتفعة ارتباطًا وثيقًا بالقلق السياسي في الداخل. ثالثًا، من المحتمل أن تعاني العديد من الدول العربية من نقص الغذاء إذا اندلعت الحرب، حيث أن كل من روسيا وأوكرانيا من بين أهم مصادر الحبوب.

إن تشجع روسيا على أوروبا، سيزيد من تقوية نفوذها في سوريا، حيث دعمت الرئيس "بشار الأسد" وأبقته في السلطة طوال العقد الماضي. ويحدث هذا على خلفية ما يراه العديد من المحللين العرب على أنه انسحاب أمريكي من المنطقة. هناك ببساطة المزيد من الأسباب والفرص للانحياز بقوة أكبر نحو روسيا في نظر العديد من الحكومات العربية.

وقد أشار الكاتب المصري "طارق عثمان" إلى أن روسيا "تحاول ملء بعض الفراغ" الذي خلّفه تراجع الوجود الأمريكي "في شرق البحر المتوسط ​​والأجزاء الأكثر اضطرابًا في شمال إفريقيا"، وكذلك "في بعض الدوائر ذات الصلة لأمن الخليج"، بما في ذلك توثيق التعاون بين روسيا والسعودية والإمارات.

وقد أضاف "عثمان" أن الدول العربية "تدرس الوضع في أوكرانيا لتقييم ما إذا كانت أمريكا ستظهر بالفعل القوة - والأهم من ذلك، الإبداع - من أجل حرمان روسيا من أهدافها"، وإلا "ستحصل روسيا على ما تريد".

مع من يقف العرب؟

في الوقت الحالي، تُظهر نظرة سريعة على العناوين الرئيسية والتحليلات في وسائل الإعلام العربية، في كثير من الحالات، كيف "يقرأ" العرب التوترات الجيوسياسية في أوروبا وكيفية تعامل إدارة "بايدن" مع الأزمة في أوكرانيا. إن بعض العناوين ومقالات الرأي تؤطر الأزمة من منظور "التصعيد الأمريكي" تجاه روسيا، في تناقض صارخ مع نظرة وسائل الإعلام الأمريكية والغربية للأزمة وتقاريرها.

وقد استشهد أحد المحللين كيف أن الأزمة الأوكرانية الروسية تقدم درسًا مهمًا حول قوة وتأثير ما يسميه "آلة الإعلام الأمريكية والغربية"، و"الهستيريا" التي خلقتها حول الغزو الروسي الذي دفع حتى وزير الخارجية الأوكراني للحث على الهدوء.

على حد تعبير كاتب عمود عربي آخر في صحيفة "أخبار الخليج" اليومية التي تصدر في البحرين "جلف نيوز" على سبيل المثال، فإن أمريكا وحلفاءها في الناتو "يخوضون صراعًا مفتوحًا مع روسيا حول أوكرانيا ويصعدون الوضع إلى شفا حرب في ظل الحرب" بحجة تهديد روسيا لاستقلال أوكرانيا .

وقد أخبرني محلل مقيم في عمان وله معرفة عميقة بروسيا في المنطقة، أن معظم تغطية الأزمة الأوكرانية في وسائل الإعلام العربية يتم إعادة تدويرها من الأخبار أو التقارير الصادرة عن الصحف الدولية الكبرى. وقال: "نادرًا ما ترى أجزاءً مهمة من النوايا العسكرية الروسية ضد أوكرانيا".

إن العامل الآخر الذي ساعد صورة روسيا في المواجهة مع الغرب هو أن معظم العرب ينظرون إلى روسيا من منظور التحالفات القديمة التي أقامها السوفييت في جميع أنحاء المنطقة، وقد أشارت إلى أن "الكثيرين يرون في هذا الصراع صراعًا داخليًا بين روسيا وأوكرانيا".

لا يزال هذا التحليل حول التصورات العربية قائما عندما ننظر إلى أحدث نتائج مسح الشباب العربي، وتحديدا فيما يتعلق بكيفية رؤية الشباب العرب لحلفاء بلدانهم وأعدائها.

وفي هذا السياق يرى 70% من الشباب في 50 مدينة عربية شملها الاستطلاع أن روسيا حليفة و26% فقط يرون أنها عدو. في المقابل، يرى 57% الولايات المتحدة حليفة، بينما يرى 41% أنها عدو. ومن المهم أن نلاحظ هنا أن الشباب العربي يمثلون أكثر من 60% من سكان المنطقة.

بالنظر إلى هذه الآراء، يرحب بعض المحللين صراحةً بالحركات الجيوسياسية بعيدًا عن عالم أحادي القطب تكون فيه الولايات المتحدة هي المهيمن. إنهم يأملون أن تمثل هذه التطورات عودة محتملة إلى عالم ثنائي القطب، أو تحول نحو عالم متعدد الأقطاب تنضم فيه الصين إلى روسيا في التنافس على السلطة مع الولايات المتحدة. وتوفر منافسة القوى العظمى فرصة لدول المنطقة لتأكيد نفسها وإيجاد تحالفات أكثر استعدادًا.

إن الاقتراب من الدول العربية في الخليج، وبعضها من أكبر منتجي الطاقة في العالم، يسلط الضوء على كيف ولماذا تؤثر الأزمة الأوكرانية الروسية بعمق على الوضع الاقتصادي في المنطقة العربية.

وفقًا "لعبدالله باعبود"، وهو محلل سياسي وأكاديمي عماني، تحاول دول مجلس التعاون الخليجي، على غرار الدول الأخرى غير الخليجية في العالم العربي مثل مصر، الحفاظ على "علاقات متوازنة مع القوى العالمية الكبرى"، وأشار إلى أن أزمة أوكرانيا "تضعهم في موقف حرج إذا اضطروا إلى اختيار جانب"، لا سيما إذا أدى الوضع إلى حرب، حيث تلوح في الأفق عقوبات ضد روسيا تؤثر على "تعاونهم الاقتصادي والعسكري المتنامي مع موسكو".

الحسابات العربية

وربما اختار البعض بالفعل جانبًا؛ فبحسب ما ورد، قررت السعودية التمسك باتفاقية "أوبك +" بدلاً من "ضخ المزيد من النفط الخام لترويض السوق" الذي سيساعد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. هذا ما قررته المملكة، في الوقت الحالي على الأقل.

تعد كل من أوكرانيا وروسيا من بين أكبر مصدري القمح في العالم (يمثلون حوالي 29% من الإمدادات العالمية)، والتي تعتمد عليها العديد من البلدان في المنطقة

وقد أوضح "باعبود" أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها "علاقة عمل جيدة مع روسيا في مجال النفط والغاز من خلال "أوبك +" ومنتدى الدول المصدرة للغاز"، مضيفًا أن الضغط الأمريكي على هذه الدول "سيؤثر سلبًا على تعاونها مع موسكو ويمكن أن يؤدي لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا وبالطبع سيكون له تأثير على اتفاقياتها طويلة الأجل مع الدول الآسيوية".

وتدور هذه الهواجس التي شعرت بها دول مجلس التعاون الخليجي حول تصوراتها حول منافسة القوى العظمى في جميع أنحاء العالم ومنطقتها. وقال "باعبود" إنهم "يرون روسيا كقوة يريدون إقامة علاقات جيدة معها، خاصة في ضوء أن هناك تصورًا بأن الولايات المتحدة تتخلى عن المنطقة".

تعد كل من أوكرانيا وروسيا من بين أكبر مصدري القمح في العالم (يمثلون حوالي 29% من الإمدادات العالمية)، والذي تعتمد عليه العديد من البلدان في المنطقة. وتواجه مصر ولبنان واليمن والدول العربية في شمال إفريقيا (خاصة ليبيا والمغرب) أزمة "خبز" وشيكة مع استمرار ارتفاع أسعار القمح مع تصاعد التوترات على الحدود الأوكرانية الروسية.

ولبنان واليمن معرضان للخطر بشكل خاص، حيث يتصارعان مع تحديات الأمن الغذائي الخاصة بهما، وهذا الأخير في عمق الصراع الذي أودى بحياة حوالي 377000 يمني، ومن المثير للقلق أن 60% منهم ماتوا بسبب الجوع أو لأسباب صحية أخرى.

علاوة على ذلك، فإن مصر، باعتبارها الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، والتي تضم أكثر من 100 مليون نسمة، معرضة بشكل خاص لارتفاع أسعار القمح، الذي تستورده بشكل أساسي من روسيا وأوكرانيا.

بالرغم من أن المسؤولين المصريين يقللون من أهمية التأثير السلبي للأزمة الأوكرانية الروسية على واردات القمح إلى مصر، فإن التاريخ يعد تذكيرًا وحشيًا بالكيفية التي تسبب بها ارتفاع أسعار الخبز في أعمال شغب مؤخرًا في عام 2017 وحتى عام 1977. ويسمي المصريون الخبز "عيش" بمعنى "الحياة"؛ لأن العديد من الأرواح تعتمد عليه. لذلك، عندما يتعذر الوصول إليه، تكون هذه الأرواح على المحك وتندلع الاحتجاجات نتيجة لذلك.

وبالنظر إلى التحليل أعلاه، فإن الموقف القياسي للحكومات العربية هو "الانتظار والترقب"، لقد اتخذت حكومات عربية قليلة مواقف عامة واضحة أو عرضت لعب دور في نزع فتيل التوترات بين روسيا والغرب. وكما يلاحظ العديد من المحللين العرب، فإن مثل هذا الموقف مفهوم، وربما يُرحب به كإجراء مؤقت.

ومع ذلك، هناك خطر يكمن في أن يصبح موقف "انتظر وترقب" هذا رد فعل دائم تجاه الوضع، مما قد يضغط على الحكومات العربية لاختيار جانب بين أمريكا وحلفائها الغربيين، وروسيا، خاصة إذا فشلت الدبلوماسية. وكما حذر محللون آخرون، فإن الشارع العربي قد أوضح بالفعل ميوله تجاه روسيا. وربما يكون ذلك مجرد ازدراء لأمريكا وللعالم الغربي في المنطقة، حيث تقف روسيا بحزم في تحدي وضعها كقوة عظمى في أوروبا.

المصدر | ميريسا كورما/ مركز ويلسون – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة الأوكرانية النظام الدولي الهيمنة الأمريكية أوبك

"دبلوماسية" بايدن.. من أوكرانيا إلى فيينا

مباحثات سعودية أمريكية حول ضغوط السوق إثر أزمة أوكرانيا

ساحة اختبار.. تجربة سوريا تلهم الجيش الروسي في مواجهته مع أوكرانيا والناتو

تداعيات خطيرة.. الأزمة الأوكرانية تهدد إمدادات القمح إلى مصر وتونس والجزائر

الأزمة الأوكرانية.. اتصالات وزيارات لمسؤولين أوروبيين وأمريكيين

أزمة غذاء محتملة.. غزو أوكرانيا يضع العرب تحت مقصلة القمح

مسؤولون أمريكيون: انتهاكات انفصاليي أوكرانيا تؤشر لبدء اجتياح روسي

أزمة أوكرانيا.. جهود دبلوماسية مكثفة لمنع الحرب بعد التصعيد بين الانفصاليين وكييف

مركز إسرائيلي: الأزمة في أوكرانيا ستضرب الاستقرار بدول عربية مركزية بينها مصر