تونس.. تنديد حقوقي بالقيود المزمع فرضها على المجتمع المدني

الجمعة 11 مارس 2022 04:58 م

نددت 13 منظمة حقوقية تونسية ودوليّة، بالقيود المزمع فرضها ضد منظمات المجتمع المدني، والتي قالوا إنها "ستعصف بالمكاسب الكبيرة لحريّة تكوين الجمعيات التي تحققت عقب ثورة 2011، وضربة أخرى لضمانات حقوق الإنسان".

جاء ذلك في بيان مشترك، الجمعة، نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، دعت فيه الرئيس التونسي "قيس سعيد"، إلى التخلّي فورا عن خططه لفرض قيود جديدة، على منظمات المجتمع المدني.

وقالت "آمنة القلالي"، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "العفو الدولية": "يُدرك التونسيون من واقع تجربتهم المخاطر التي يُمكن أن تُشكّلها القوانين التقييدية على المجتمع المدني والنقاش العام".

وأضافت: "استخدمت السلطات أثناء حقبة بن علي القمعيّة للغاية قوانين تعسّفية للجمعيات وإجراءات إدارية مرهقة كأدوات أساسية لخنق المعارضة".

فيما قال "إريك جولدستين"، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "خلال هذه السنوات العشر منذ الإطاحة بـ(الرئيس السابق زين العابدين) بن علي، لعبت المنظمات غير الحكومية في تونس دورا حاسما في توفير الخدمات الأساسية للناس ومحاسبة الحكومة".

وأضاف: "لذلك، ينبغي تعزيز عملها وحمايته وليس تهديده".

من جانبه، دعا "أمين الغالي" مدير "مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية"، السلطات إلى "التخلّي فورا عن مواصلة النظر في مشروع قانون لتنظيم منظمات المجتمع المدني المسرّب، والتأكد من أن تلتزم أيّ قوانين مستقبليّة بشأن تنظيم منظمات المجتمع المدني بشكل صارم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان".

وسُرِّب مؤخرا مشروع قانون لتنظيم منظمات المجتمع المدني من شأنه أن يمنح للسلطات صلاحيات واسعة وسلطة تقديرية للتدخل في طريقة تكوين منظمات المجتمع المدني، ووظائفها، وأعمالها، وتمويلها، وقدرتها على التحدث علنا عن عملها والتعبير عن آرائها.

وفي خطاب مصوّر ألقاه يوم 24 فبراير/شباط الماضي، اتهم "سعيّد" منظمات المجتمع المدني بخدمة مصالح أجنبية ومحاولة التدخل في السياسة التونسية، وقال إنه ينوي حظر جميع أشكال التمويل الخارجي عليها.

وفقا للمرسوم رقم 88-2011، يجوز للتونسيين والمقيمين الأجانب تكوين منظمات المجتمع المدني بحرّية، والقيام بمجموعة واسعة من الأنشطة، والضغط على السلطات فيما يتعلّق بالقوانين والسياسات، والتحدث علنا عن عملها وآرائها، والحصول على تمويلات أجنبيّة دون ترخيص من الحكومة.

ولم تؤكد السلطات رسميّا أنها ستُعدّل القانون الحالي، ولم تنشر مشروع القانون، ومازال من غير الواضح ما إذا تمّ إدخال تغييرات على النُسخة المسرّبة. ولم تُنشَر مشاريع القوانين التونسية للعموم، ولم تخضع لنقاش رسمي في البرلمان منذ أن علّق الرئيس "سعيّد" أعماله في يوليو/تموز 2021. وفقا للمرسوم الرئاسي الصادر في 22 سبتمبر/أيلول 2021، باتت جميع القوانين تصدر في شكل مراسيم رئاسية.

ومنذ 2011، ازدهر المجتمع المدني التونسي، حسب بيانات رسمية، وهناك أكثر من 24 ألف منظمة مجتمع مدني مسجلة حاليا لدى السلطات، رغم أنه من غير الواضح عدد المنظمات النشطة.

وتعمل العديد من منظمات المجتمع المدني في مجالات مثل التعليم والحياة الثقافية، وتسعى أخرى إلى مساعدة ضعاف الحال والمهمّشين والمستضعفين. بالإضافة إلى ذلك، لعب المجتمع المدني دورا محوريا في جهود الانتقال إلى مجتمع أكثر حرّية وعدالة في تونس ما بعد الثورة، عبر ترسيخ قِيَم حقوق الإنسان وسيادة القانون في النقاش العام، ودفع صانعي السياسات إلى تضمينها في السياسات العامة.

بموجب القانون الحالي، يُمكن تكوين منظمة مجتمع مدني تحظى تلقائيا بوضع قانوني بمجرّد إعلام السلطات المعنيّة. ستُعيد الفصول 10-12 من المشروع المُسرّب شرط الحصول على ترخيص حكومي قبل أن تتمكن المنظمة من العمل بشكل قانوني، كما كان الحال في فترة "بن علي".

وينصّ مشروع القانون، على أن الجمعيات لا يمكنها "تهديد وحدة الدولة أو نظامها الجمهوري والديمقراطي"، وينصّ على أن تلتزم موادها المنشورة بـ"النزاهة والحرفيّة والضوابط القانونيّة والعلميّة المستوجبة".

وقالت المنظمات في البيان المشترك، إنّ هذه الصياغة الفضفاضة من شأنها فتح باب التعسّف أمام السلطات.

وفقا للقانون الحالي، يتعيّن على منظمات المجتمع المدني نشر تفاصيل كل التمويلات الأجنبيّة.

ووفق ما تم تسريبه، سيفرض الفصل 35 من مسودّة المشروع الجديد، شرطا جديدا يقضي بموافقة "اللجنة التونسية للتحاليل المالية"، وهي وحدة تابعة للبنك المركزي التونسي مكلّفة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

ورغم أنّ مكافحة غسيل الأموال والإرهاب أهداف مشروعة، لا يجب استخدامها كذريعة لحظر التمويل الأجنبي على منظمات المجتمع المدني عبر اشتراط الحصول على موافقة مسبقة.

ووفقا لمسح شمل 100 منظمة مجتمع مدني في تونس نُشر في 2018، قالت منظمتان من خمسة، إنها تعتمد جزئيا أو بشكل أساسي على تمويل من الخارج.

وفقا للقانون الحالي، لا يُمكن حلّ منظمات المجتمع المدني إلا بإرادة أعضائها، أو عبر المحاكم من خلال عريضة تقدّمها الحكومة.

وسيُمكّن المشروع المُسرّب السلطات في "الإدارة المكلّفة بالجمعيات برئاسة الحكومة" من حلّ منظمات المجتمع المدني التي ظلّت غير نشطة لفترة زمنية دون سابق إنذار. وقد يسمح أيضا للسلطات بحلّ هذه المنظمات متى شاءت وخارج الأطر القضائية، رغم أنّ الأحكام ذات الصلة غامضة.

وحسب "علاء الطالبي" المدير التنفيذي لـ"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، فإن "حرية تكوين الجمعيات بما في ذلك الحق في إنشاء منظمات المجتمع المدني وتشغيلها دون تدخّل غير مبرّر من الحكومة، تعتبر من حقوق الإنسان الأساسية المكفولة في القانون الدولي والدستور التونسي".

وفقا للمادة 38 من "المبادئ التوجيهيّة بشأن حريّة تكوين الجمعيات والتجمّع في أفريقيا"، لا يجوز للحكومة فرض حظر شامل على التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني أو إخضاعه لترخيص حكومي. تعكس هذه المبادئ التوجيهيّة أحكام "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، وتونس طرف فيه.

وتونس مُلزمة باحترام، وحماية، وتعزيز، وإعمال الحق في حرية تكوين الجمعيات، المنصوص عليه في المادة 22 من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة" والمادة 10 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

لا يُسمح بفرض قيود على هذا الحق، إلا إذا كانت محدّدة بقانون، وضرورية في مجتمع ديمقراطي – أي باستخدام الوسائل الأقل تقييدا والتي تعكس المبادئ الأساسية للتعدّدية والتسامح، حسب بيان المنظمات الحقوقية.

وأضافت: "يجب أيضا أن تكون القيود الضرورية" متناسبة، أي متوازنة بعناية مع السبب المحدّد لفرضها، وغير تمييزية، بما في ذلك على أساس الأصل القومي أو الرأي السياسي أو المعتقد".

وقع على البيان، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومراقبون، وجمعيتي، والبوصلة، ومحامون بلا حدود، والجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، والمفكرة القانونية، والشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان، أكسس نو، ومبادرة الإصلاح العربي، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، والمرصد الدولي للجمعيات والتنمية المستدامة.

وتعاني تونس، منذ 25 مايو/أيار 2021، أزمة سياسية حادّة زادت الوضع الاقتصادي سوءًا، حيث بدأ رئيس البلاد، فرض إجراءات استثنائية منها: إقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، وتجميد عمل البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.

وفي 12 فبراير/شباط الماضي، أضعف "سعيّد" استقلالية القضاء بإصدار مرسوم حلّ فيه "المجلس الأعلى للقضاء"، أعلى هيئة قضائية مستقلّة أنشئت في 2016 لحماية القضاة من نفوذ الحكومة، ومنح لنفسه صلاحيات واسعة للتدخل في عمل السلطة القضائية.

وترفض غالبية القوى السّياسية والمدنية في تونس هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابًا على الدّستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحًا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك "زين العابدين بن علي".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس حقوق الإنسان المجتمع المدني منظمات حقوقية قيس سعيد

أحزاب ومنظمات تونسية تعلن تشكيل جبهة استفتاء لتغيير النظام السياسي

القضاء التونسي يحيل ممثل حركة "النهضة" القانوني للتحقيق

منظمات حقوقية تتهم قيس سعيد بتوجيه ضربة لاستقلال القضاء