سياسيا واقتصاديا ورياضيا.. الخليج يشهد حقبة جديدة في الاستثمار الاستراتيجي

الخميس 7 سبتمبر 2023 09:53 م

مع نمو النفوذ السياسي لدول الخليج، والذي ساعده إلى حد كبير انخفاض الموارد المخصصة لإيذاء بعضها البعض، أصبحت هذه الدول أكثر استقلالية بشكل مطرد عن رعاتها التقليديين، وأصبحت على استعداد للعمل بالنيابة عن نفسها بدلاً من الانتظار، والدخول في استثمارات استراتيجية كبيرة، تعكس رغبتها في تعزيز التغيير الاجتماعي في الداخل.

هكذا يقول تحليل لـ"منتدى الخليج الدولي"، وترجمه "الخليج الجديد"، مشيرا إلى أن مع حل الخلافات القائمة، وعلى رأسها الأزمة الدبلوماسية الخليجية (2017-2021)، ركزت دول الخليج على تعزيز صورها في الخارج من خلال استخدام الدبلوماسية والمشاركة الدولية، لتلعب دورًا كبيرًا في الدبلوماسية الروسية الأوكرانية، فضلاً عن الصراعات العالمية الأخرى مثل الصراع في اليمن، والحرب الأهلية المتصاعدة في السودان، والأزمة في أفغانستان.

ويضيف التحليل الذي كتبه الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي عبدالله بشارة: "كما ساهمت التغيرات الجيوسياسية الأخيرة التي اجتاحت منطقة الخليج في حدوث تحولات سياسية واقتصادية داخل دول المجلس، وأثرت على علاقاتها مع الولايات المتحدة".

ويلفت إلى أثر جزء من هذا التغيير على سياسات الطاقة، وهو ما كشفه الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، عندما اتخذت دول الخليج جميعًا موقفًا أكثر استقلالية بشأن أسعار النفط العالمية مما كانت تفضله واشنطن.

وبدأت التغييرات الجيوسياسية المذكورة أعلاه في العام الماضي، وجاءت جزئيًا على الأقل بسبب حل المنافسات طويلة الأمد داخل الخليج.

ويقول بشارة إلى أن هذه الاتجاهات ليست فريدة من نوعها بالنسبة لدول المجلس، ففي وقت سابق من هذا العام، وبمساعدة صينية، توصلت السعودية وإيران إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما بعد 7 سنوات من التقدم الضئيل.

وقد أدى اتفاق التطبيع، الموقع في بكين خلال مارس/آذار 2023، إلى موجة من الزيارات الرسمية والنشاط الدبلوماسي.

وفي الأسابيع الأخيرة، زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الرياض، كما زار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود طهران.

وبعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاقية، أعادت إيران فتح سفارتها في الرياض، ويعكف السعوديون على اتباع نفس النهج في طهران.

وكان للتقارب الأخير أيضًا عواقب إيجابية في اليمن والعراق وسوريا، مع تراجع التصعيد وإحياء الجهود الدبلوماسية في كل من هذه الدول.

وعلى الرغم من أن عمان وقطر ليستا طرفين في الاتفاق السعودي الإيراني، فقد استفادتا من نجاحه من خلال ترتيب تبادل الأسرى بين طهران وواشنطن، بالإضافة إلى حل المسائل الأخرى المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني ونشاط العقوبات الأمريكية.

وقد أعطى تراجع التصعيد الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي فرصة للتركيز والاستثمار في مشاريع القوة الناعمة وخطط التحول الاقتصادي.

وفي حين أن خفض التصعيد الإقليمي له آثار سياسية فورية، فهو يقلل من التكاليف التي تتحملها جميع أطراف الصراعات، ويروض الاضطرابات، ويساعد على منع المزيد من العنف في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلا أن آثاره غير المباشرة تعتبر حاسمة أيضًا، حيث يمهد السلام العام المنطقة الطريق للاستثمار والنمو الاقتصادي.

في الوقت نفسه، والحديث لبشارة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تبذل قصارى جهدها لاكتشاف فرص استثمارية جديدة لزيادة الإيرادات الاقتصادية.

ويشير التحليل إلى أن أبرز الاستثمارات الأجنبية لدول الخليج كانت مشترياتها من البرامج الرياضية الأجنبية، ويقول: "على مدار العقد الماضي، ضخت صناديق الثروة السيادية السعودية وقطر والإمارات مليارات الدولارات في الدوريات الرياضية الأوروبية، في حين قامت أيضًا بتطوير فرقها الرياضية المحلية ومحاولة تجنيد وتدريب الفرق الأوروبية".

ومنذ بداية جائحة (كوفيد-19)، انضم كريستيانو رونالدو، وكريم بنزيمة، ونيمار دا سيلفا، إلى أندية كرة القدم السعودية، مما أدى إلى رفع المكانة الدولية للأندية السعودية على وجه الخصوص، والأندية الخليجية بشكل عام.

ويعد التحول في كرة القدم في السعودية رمزًا في العديد من جوانب التحول المجتمعي الأوسع.

وفي غضون عقدين من الزمن، تحولت المملكة من مجتمع هادئ ومتقشف إلى واحدة من أكثر الأماكن نشاطًا وديناميكية في العالم.

ويمكن أن يُعزى جزء كبير من هذا التغيير إلى تصرفات الدولة السعودية، التي سعت إلى تعظيم نفوذها وقوتها الاقتصادية والإقليمية من خلال إجراء إصلاحات من أعلى إلى أسفل، والتأكيد على الأفكار الطموحة، والعمل على تلبية توقعات الناس.

وأدت هذه الإصلاحات بالضرورة إلى طمس الخطوط الفاصلة بين القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، في كل المجالات، حتى بات مجتمع المملكة اليوم غير معروف على الإطلاق للمراقب قبل 20 عامًا.

ويقول بشارة: "يبقى أن نرى ما إذا كانت الاستثمارات الرياضية المحددة التي قامت بها الرياض ستؤتي ثمارها".

ويضيف: "كان لتجنيد نجوم كرة القدم الأوروبيين والبرازيليين تكاليف باهظة على ميزانيات أندية كرة القدم الخليجية، وبينما زاد الاهتمام بالدوريات السعودية بسرعة فائقة، إلا أنه لا يزال أمامها الكثير لتقطعه قبل أن تصل إلى الجمهور العالمي الذي يشاهد الفرق الأوروبية مثل ريال مدريد وباريس سان جيرمان".

وهنا توجد مساحة هائلة للنمو، وهي حقيقة يدركها المستثمرون الخليجيون تمامًا، فكرة القدم هي الرياضة الأكثر مشاهدة والأكثر شعبية في العالم حتى الآن.

ومع ذلك، والحديث لبشارة، من المهم لواضعي السياسات في الخليج التأكد من أن خططهم الرياضية مرتبطة برؤية شاملة للدولة تجمع بين الاقتصاد والتعليم والرياضة والثقافة والتكنولوجيا، لتعظيم تأثيرها على الشباب وعبر القطاعات الحكومية المختلفة.

ومن أجل تحسين صورتها العامة على الأقل، استثمرت دول الخليج ببراعة في القيم الاقتصادية والاجتماعية والرياضة، التي تمس حياة الناس وآرائهم بشكل أسرع بكثير وأكثر موثوقية من السياسة.

وربما تلهم قيادة السعودية في هذا الصدد دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لتحذو حذوها، وفق تقدير بشارة.

أما في المجال السياسي، فقد شهد الخليج نطاقًا متزايدًا من المشاركة الدولية.

فهذا العام، تستضيف دبي مؤتمر المناخ (كوب-28)، مما يساعد على تعزيز مؤهلات الإمارات الخضراء، حتى مع رفض العديد من الخبراء الغربيين فكرة أن واحدة من أكبر مصدري النفط في العالم، يمكن أن تكون أيضًا واحدة من أكثر الدول تقدمًا فيما يتعلق بالتغير المناخي.

وقد استضافت جدة مؤخراً قمة سلام لأوكرانيا، والتي حضرها أكثر من 40 دولة تشمل كل اللاعبين الرئيسيين في الصراع.

وقبل أشهر، استضافت السعودية أيضًا مناقشات تهدف إلى حل أزمة السودان، ولعبت دورًا رئيسيًا في إجلاء الدبلوماسيين الغربيين من الخرطوم.

وقد انخرطت دول خليجية أخرى مع المنطقة في قضايا لبنان وسوريا واليمن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية.

ومع نمو دول الخليج لنفوذها السياسي - والذي ساعده إلى حد كبير انخفاض الموارد المخصصة لإيذاء بعضها البعض، أصبحت أكثر استقلالية بشكل مطرد عن رعاتها التقليديين، وأصبحت على استعداد للعمل بالنيابة عن نفسها بدلاً من الانتظار. للإشارات من الخارج. وهذا التطور إيجابي بلا خجل.

ويلفت التحليل إلى أن دول الخليج مجهزة بشكل فريد لتعزيز السلام والاستقرار وإحداث التغيير بطرق لا تستطيع "القوى العظمى" القيام بها.

ويختتم: "سوف تشكل الكيفية التي سيختارون بها استغلال قوتهم في هذا الصدد، إحدى المسائل الجيوسياسية الحاسمة في القرن الحادي والعشرين".

المصدر | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

استثمار الخليج استثمار رياضي اقتصاد تغيرات مجتمعية

الدبلوماسية الرياضية بدول الخليج.. هل حان وقت العاصفة؟

اقتصاد الربع الأخير في 2023.. تنافس خليجي وخصخصة مصرية وجمود تونسي