«القدس العربي»: الدولة الأمنية العربية تراقب الجميع ولا حرمة لخصوصية البشر

الثلاثاء 14 يونيو 2016 03:06 ص

استغلت دول العالم كلها الأوضاع المضطربة التي تعيشها البلدان العربية، وعدد آخر من بلدان العالم، في إقرار قوانين تهبط بإنسانية الانسان وتقمع حرياته، ليس في التعبير والرأي والاعتقاد فحسب، بل كذلك في التنقل داخل وطنه، وحرمانه من جنسيته الأصلية أو المكتسبة، ومعاقبة أهله ومواطنيه بشكل جماعي، وصولاً إلى اختزاله إلى معطى رقمي وأمني يبوّب ويؤرشف ويتم الاستقصاء عن أصله وفصله وفصيلة دمه وسيرته الحياتية ويباع بالجملة والمفرق إلى الأجهزة الأمنية العالمية لمطاردته والتضييق عليه والقضاء عليه أحيانا بطائرات من دون طيار، أو يتم نقله إلى دول مستبدة لتبرئ دول الديمقراطيات الليبرالية ضميرها من تبعة تعذيبه وانتزاع الاعترافات الكاذبة منه.

وعلى عكس التنميطات البسيطة حول الدول الديمقراطية والدول المستبدة فإن الليبراليات الغربية هي التي تجهّز عملياً أغلب تقنيّات المراقبة والأرشفة والضبط والتعذيب والتسليح وتبيعها إلى الدول المستبدة، في نوع من تقسيم العمل، وهذه الدول التي قدّمت أنماط العمل السياسي الحزبي والبرلماني الحديثة، هي نفسها التي قدّمت الأنماط القصوى لأنظمة الدكتاتورية ونشرت نموذجها في العالم، بل هي التي قدّمت عمليّا للعالم مفهوم الإرهاب خلال فترة الثورة الفرنسية وحقبة اليعاقبة الذين كان العنف الدموي بالنسبة إليهم هو سبيل تحقيق أهداف الدولة الحديثة، ولاحقا خلال حقبتي النازية والفاشية، ثم الشيوعية في روسيا، وهذه الحقب خلّفت أكبر عدد ضحايا في تاريخ البشرية الحديث.

من دون هذه الخلفيّة التاريخية لا يمكن فهم معنى استمرار أنظمة التفكير هذه في العديد من الحركات العنصريّة الحاليّة التي تتأهب لتغيير وجه الغرب والعالم من جديد، وكذلك في فهم العلاقة الوطيدة بين هذه الليبراليات الغربية وأنظمة الاستبداد، وخاصة في طبعتها الاسرائيلية التي تتنافى، نظرياً، مع القوانين السائدة في الليبراليات الغربية، ولكنّ هذه الديمقراطيات الغربية هي نفسها التي تسمح لهذه الدولة المارقة والإرهابية بالاستمرار.

ينطبق الأمر نفسه على التطبيع السابق والحالي مع أنظمة مارست أنواع البطش الإجرامي الهائل ضد شعوبها، كما يفعل النظام السوريّ حاليّا، ولا يختلف الأمر أبداً مع النظامين المصري والجزائري، أو مع بعض أنظمة الخليج العربي.

وما دمنا ذكرنا الأنظمة الخليجية فإنه مما يلفت النظر حقيقة هو أن سياسات التقشف وتراجع مستويات الرخاء يتوازى مع تزايد أحكام الإعدام والقضايا ضد ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي، لكن أغرب الحالات التي حصلت مؤخرا كانت صدور أحكام على شيوخ من العائلة الحاكمة في الكويت، ولم يشفع لأحدهم أنه كان، هو نفسه، مديرا لجهاز الاستخبارات.

الغرابة في هذا الشأن لا يتعلّق بالحكم على أحد أفراد الأسرة الحاكمة فهذه الأحكام موجودة في دول الخليج ولكن القضية تتعلّق بالتهمة وهي حديث شخص لشخص آخر على الهاتف الجوّال، ما يعني أن المواطنين، بمن فيهم أفراد الأسر الحاكمة، صاروا مسؤولين لا عما يقولونه على العموم ولكن ما يطرقونه في محادثة بين اثنين، وأن تتم محاكمتهم باعتبار ذلك «جريمة الكترونية»، وهو أمر غير مسبوق، لأنه لا يقيم حرمة للخصوصية البشرية ويجعل البشر عرضة للمراقبة في أدق تفاصيل حياتهم.

… وهو ما يذكرنا بالقصة الشهيرة حول عمر بن الخطاب التي يقول منطوقها إن الخليفة تسور جدارا على رجل يشرب الخمر فقرّعه الرجل وقال له: تجسست والإسلام حرّم التجسس، فخرج عمر يبكي ويستغفر ربه.

أكيد أننا لا نتوقع من الأنظمة العربية أن تكف عن التجسس ومراقبة البشر ولكن ما نتوقعه أن يضع مؤسسات الحكم حدوداً قانونية صارمة تفصل بين العامّ والخاص وألا تصبح أدوات انتقامية تلتهم الجميع.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الدولة الأمنية الحريات حرية التعبير الديمقراطية الليبراليات الغربية الكويت

الأجهزة الأمنية الكويتية تفشل في إلقاء القبض على رئيس المخابرات السابق

النيابة الكويتية تطعن على أحكام قضية «جروب الفنطاس» وتطالب بتشديد العقوبات

السعودية تستخدم «الإسورة الإلكترونية» في السجون قريبا

«العفو الدولية»: الحريات العامة في الكويت تتآكل

«هيومن رايتس ووتش» تتهم سلطات البحرين بممارسة التعذيب داخل السجون