«أنا مش خايف من الموت الذي أصبح قريباً، عايز أعيش، بس أعيش حرّاً أو أموت حرّاً، وإن كانت حياتي ثمن الحريّة»، إنّها جزء من رسالة «محمّد سلطان»، وهو المضرب عن الطّعام منذ عشرة أشهر، بعد اعتقاله عند مداهمة قوّات الأمن لمنزله في 25 من أغسطس/آب الماضي بحثاً عن والده القياديّ في جماعة «الإخوان المسلمين».
لم يكن إضراب «سلطان» هو الأوّل، لكن بدأت سلسلة طويلة من أسماء السجناء السياسيّين تنضمّ إلى القائمة، احتجاجاً على الكثير من الممارسات الأمنيّة ضدّهم في السجون واستمرار سجنهم من دون توجيه تهم واضحة أو تقديمهم إلى المحاكمة العادلة لتبدأ معركة الأمعاء الخاوية بين السجناء والسلطات الأمنيّة التي لا تريد الاعتراف أو توثيق حالات الإضراب عن الطعام، التي لا يعترف بها الدّستور أو القانون المصريّ أيضاً.
منذ بداية سبتمبر/أيلول الماضي، بدأت مجموعات من الناشطين السياسيّين المتطوّعين في نادي خرّيجي «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» بتنظيم عروض فنيّة لحكي قصص المضربين عن الطعام ونشر رسائلهم، كدعوة إلى التّضامن معهم وتوثيق شهادتهم عن طريق حكايات يرويها ذووهم أو رسائل مكتوبة يمكن تمريرها خارج السجون من خلال الزيارات العائليّة لبعض السجناء.
وقال مدير برنامج مصر في «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان»، «محمّد زارع» في حديث مع «المونيتور»: «إنّ فكرة العرض كانت لتوثيق حكايات المضربين عن الطعام في السجون من تيّارات سياسيّة مختلفة أو من سجناء لا ينتمون إلى أيّ من التيّارات السياسيّة، ففي السجون لا توجد رفاهيّة الاحتجاج لذلك، كانت معركة الإضراب عن الطعام الوسيلة الوحيدة للمقاومة والاحتجاج».
ورغم الظروف الأمنيّة المشدّدة التي يعمل فيها النّاشطون السياسيّون في مصر الآن، قال «زارع»: «سنحاول تكرار العرض في أكثر من مكان ومحافظة، لكن تواجهنا حملات أمنيّة وإعلاميّة صعبة قد تكون الأشرس على منظّمات المجتمع المدنيّ وحقوق الإنسان».
في عرض الحكي الأوّل، الذي أقيم في أحد مباني «الجامعة الأميركيّة» في القاهرة، نقلت قصص ورسائل من المعتقلين ليس بغرض الدعوة إلى الإضراب عن الطعام، ولكن محاولة لنقل الظروف غير الإنسانيّة التي يمرّ فيها المعتقلون داخل السجون، والأسباب التي دفعتهم إلى الإضراب، احتجاجاً على استمرار سجنهم.
«أنا قرّرت الإضراب عن الطعام عشان اتقبض عليا بكاميرا، رغم أنّي أعمل في وكالة أجنبيّة بتصريح من الحكومة ومن دون أن أتقدّم إلى المحاكمة»، إنّها رسالة أخرى من أحد الصحافيّين الموقوفين في 16 أغسطس/آب من العام الماضي، وقال: «إنّ مأمور القسم هدّدني إذا استمررت في إضرابي».
ومن رسائل المعتقلين وبلاغات ذويهم، قامت مجموعات من المحامين بحصر مبدئيّ لحالات الإضراب الكليّ والجزئيّ عن الطّعام في أماكن الاحتجاز في أقسام البوليس والسجون، التي بلغت 110 حالات، منها: 107 حالات إضراب كليّ، وثلاث حالات جزئيّة، لكن تظلّ هذه الأرقام المعلنة لمن استطاع توصيل صوته ورسالته من السجناء.
ورغم معاناة عدد من المضربين عن الطعام من تدهور حالتهم الصحيّة لعدم توفير الرعاية الطبيّة لهم مثل «حال» و«محمّد سلطان»، إلاّ أنّ السلطات الأمنيّة لا تزال غير معترفة بوجود حملات ومجموعات واسعة من السجناء المضربين عن الطعام، إذ «هناك قرارات لدى وزارة الداخليّة بتوجيه النّصائح إلى المسجون للتّراجع عن الإضراب ومتابعة حالته الصحيّة»، وذلك بحسب ما قال مساعد وزير الداخليّة لحقوق الإنسان اللواء أبو بكر عبد الكريم في تصريحات صحافيّة في 24 أكتوبر/تشرين الأول.
«جيبنا أخرنا» هي حملة أخرى لمجموعة من المحامين من أجل توثيق حالات الإضراب عن الطعام لدى السلطات القانونيّة في مصر وتحرير محاضر قانونيّة لإثبات حقوق المعتقلين وتوجيه السلطات بتوفير الرعاية الصحيّة لهم والنّظر في مطالبهم.
وقالت المحاميّة والمتطوّعة في حملة «جيبنا أخرنا»، «ياسمين حسام» في حديث لـ«المونيتور»: «لا يوجد حصر دقيق عن أعداد المضربين عن الطعام في السجون لأسباب كثيرة، أوّلها امتناع إدارة السجون عن تحرير محاضر لحالات الإضراب».
وأشارت إلى أنّ الأعداد التقديريّة التي استطاع المحامون توثيقها وصلت إلى 150 حالاً تقريباً داخل أماكن الاحتجاز.
أضافت: «نواجه مشاكل كثيرة في تقديم بلاغات الإضراب عن الطعام لدى النائب العام أو أقسام البوليس، فالهدف الرئيسيّ من البلاغات والشكاوى التي نتقدّم بها لمحاولة توفير حقوق الرعايّة الصحيّة للمضربين من قبل إدارة السجن».
وتطرّقت إلى «المشكلة القانونيّة في معركة «الأمعاء الخاوية»، فقالت: «إنّ الدستور والقانون المصريّ لا يتضمّنان نصّاً واضحاً يشير إلى كيفيّة التّعامل مع حالات الإضراب عن الطّعام في السجون وأماكن الاحتجاز"، وقالت: «نلجأ إلى المواثيق الدوليّة التي وقّعت عليها مصر وتحفظ للمسجون حقّ حماية حياته وتوفير الرعاية الصحيّة له».
وأكّدت «ياسمين» أنّ معركة الإضراب عن الطعام هي طريقة المقاومة التي اختارها المعتلقون المصريّون، رغم التّهديدات التي يواجهونها لكسر الإضراب والتّراجع عنه.
وتظلّ محاولات المضربين عن الطعام مستمرّة في معركة غير متكافئة يخوضها العشرات داخل السجون المصريّة في محاولة للاحتجاج على احتجازهم من دون إدانتهم أو تقديمهم إلى المحاكمة العادلة، ومن دون أن تلتفت إليهم الإدارة السياسيّة، حتّى تحوّل الشعار الذي يرفعه الناشطون السياسيّون عبر وسائل التّواصل الاجتماعي من «الحرية للمعتقلين» إلى «الحياة للمعتقلين».